أرنست خوري
انقسام الحركة القوميّة ورعب عند الأكراد وخوف من رضوخ القضاء للعسكر

التصريحات الأخيرة لقائد الجيش التركي يسار بويوكانيت، التي رأى فيها أنّ وجود نوّاب أكراد عن حزب المجتمع الديموقراطي «تشريعاً للإرهاب» داخل البرلمان، لم تكن الأولى من نوعها في سياق الحرب التي تشنّها المؤسسة العسكرية على هذه القوميّة، وتحميل الحكومة الإسلاميّة المعتدلة مسؤوليّة ما يراه العسكر «ازدياداً لنفوذ الأكراد».
لكنّ تصريحات بويوكانيت يوم الثلاثاء الماضي، أحدثت «زلزالاً» سياسيّاً وقانونيّاً لا يُرَجَّج أن يهدأ قريباً. وتوزّعت ارتدادات هذا «الزلزال» على جميع الجبهات: سياسيّاً وقضائيّاً، يميناً ويساراً، علمانيّين وإسلاميّين وأكراداً...
إلا أنّ أبرز ما أفرزته هو انقسام كبير داخل الحزب القومي المعارض، «الحركة القوميّة التركيّة». ويبقى الخوف الأكبر عند القانونيّين الأتراك من أن تؤدّي تداعيات تصريحات بويوكانيت إلى أمرين: تعرّض المواطنين الأكراد إلى حملة جديدة من العنصرية، وثانياً أن تؤثّر هذه التصريحات على المسار القضائي الذي تسير فيه الدعوى التي يُحاكَم فيها حزب «المجتمع الديموقراطي» أمام المحكمة الدستوريّة، وتعرّضه للإقفال والحظر، كما تعرّض نوّابه العشرين لرفع الحصانة عنهم وتجريدهم من صفتهم التمثيليّة.
ورغم أنّ بويوكانيت لم يلقِ بمسؤولية «تشريع الإرهاب»، داخل البرلمان، مباشرة على حكومة رجب طيّب أردوغان، ارتأى حزب العدالة والتنمية الردّ على قائد الجيش وانتقاده من خلال نائب رئيس الحزب دنجير محمد فرات، الذي سخر من كلام بويوكانيت وبرّأ نوّاب «المجتمع الديموقراطي» من تهمة الإرهاب قائلاً: «قد يكون حزب العمّال الكردستاني في كلّ مكان إلا في البرلمان». وقد أدّى هذا التصريح إلى ردّ من زعيم «الحركة القوميّة» دولت بهشلي الذي سخر بدوره من «عدم قدرة فرات على رؤية الإرهابيّين، لا في البرلمان ولا في الجبال حتّى»، في ملاحظة تحمل تهمة لـ«العدالة والتنمية» بالتساهل تجاه «العمّال الكردستاني».
وظهر تناقض كبير في موقف «الحركة القوميّة» إزاء كلام الجنرال الأعلى رتبة. وفي هذا السياق، عبّر عدد من نوّاب الحركة، أبرزهم عثمان دوروموش، عن رفضهم المطلق لكلام بويوكانيت، حتّى أنّه وصل الأمر بدورموش إلى اعتبار هذا التصريح «سبباً ليقدّم قائد الجيش استقالته من منصبه، لأنّ هذا الكلام يعني أنه فشل، وليس من المقبول أن يقول الجيش إنّ حزب العمّال أصبح شرعيّاً».
أمّا النائبان الآخران عن الحزب القومي، إرفي سيبافي ومحمد اكيشي، ففضّلا توجيه سهام اتهاماتهما إلى حكومة أردوغان. وقد أشار سيبافي إلى أنّ «كلام بويوكانيت يجدر أن تتّعظ به الحكومة كدرس، وأن تدرك مدى فداحة الخطأ الذي ارتكبته».
وأمام هذا التناقض الكبير في المواقف، اضطرّ بهشلي إلى العودة ودعوة أردوغان إلى «الاجتماع ببيوكانيت وإصدار بيان موحّد عنهما لتوضيح الموقف، وللتأكيد للجمهور أنه لا خلاف بين الحكومة والجيش بشأن المسألة». وعن دعوة دوروموش قائد الجيش إلى الاستقالة، قال بهشلي إنّها «دعوة في غير مكانها ولم تكن ضرورية».
أمّا أبرز المخاوف التي سبّبتها تصريحات بويوكانيت، فصدرت عن قانونيّين وأكاديميّين، تتعلّق بمخاطر حصول اشتباكات في الشارع بين الأكراد والقوميّين الأتراك، تبدأ بين نوّاب «المجتمع الديموقراطي» ونوّاب الحركة القومية، لكون مقاعد نوّاب الحزبين في الندوة البرلمانية متلاصقة.
وقد أعرب عدد من الأساتذة الجامعيّين والمحامين والمتخصّصين عن خطر تأثير تصريحات بويوكانيت على مجرى الدعوى القانونية التي يُحاكم بها الحزب الكردي بتهمة الإرهاب، لما للمؤسّسة العسكرية من نفوذ كبير على القضاء في تركيا. ولفت أستاذ القانون في جامعة أنقرة، ميهات سنسر، إلى أنّه «لا يحقّ لقائد الجيش الإدلاء بمواقف في شأن مواضيع حسّاسة كهذه»، واصفاً كلامه بأنّه «غير دستوري»، لأنّ الموضوع محصور بصلاحيات البرلمان. وبدا سنسر متأكّداً من أنّ كلام الجيش «سيؤثّر سلباً من دون أدنى شكّ على القضاة». واتفق أستاذ القانون في جامعة غازي، ليفينت كوكر، مع زميله، إذ تخوّف من أن يؤثر الكلام العسكري سلباً، لا على المحاكمة فقط، بل على ملايين الأكراد الذين يمثّلهم الحزب. وتابع مؤكّداً أنّ الموضوع جرى تسييسه بسبب موقف بويوكانيت، «والتاريخ يفيدنا بأنّ قضاءنا يتأثّر بقوّة بما يريده العسكر». أمّا الأستاذ في جامعة غلطة سراي، أحمد إنسل، فأشار بدوره إلى ضرورة اعتبار الموقف العسكري «تدخّلاً فاضحاً في عمل القضاء».
وقد فضّل «المجتمع الديموقراطي» عدم رفع حدّة النقاش على خلفيّة كلام بويوكانيت، فأوكل إلى الوجه المعتدل فيه، رئيس الكتلة النيابية أحمد تورك، الردّ، لا إلى زعيمه المعروف بمواقفه النارية سليمان ديميرتاش. وأوضح تورك أنّ حزبه سلمي وسياسي يؤمن بالعمل البرلماني، محذّراً من تداعيات التصعيد العسكري على المواطنين الأكراد. ولم ينسَ تورك التمنّي على الصحافة عدم تجييش الأتراك، وذلك على خلفيّة سؤال وجّهته له صحافيّة في مؤتمر صحافي تسأله: ألا تدعمون الإرهاب حقّاً!؟