واشنطن ــ محمد سعيد
ألحق تقويم الاستخبارات القومي الأميركي حول البرنامج النووي الإيراني، الذي صدر الأسبوع الماضي، ضرراً في مساعي إدارة الرئيس جورج بوش لفرض عقوبات دولية جديدة على إيران، في وقت تسعى فيه واشنطن إلى حل دبلوماسي للأزمة، من دون إسقاط خيار العمل العسكري

التحضير لضربة عسكرية ضد إيران ليس مجرد استعدادات عسكرية فحسب، بل يتطلب أيضاً إثارة القضية في محاولة لكسب دعم الرأي العام، الذي أصبح من الصعب الفوز به بعد نشر التقويم الاستخباري الذي أشار إلى أن إيران أوقفت على الأرجح برنامج أسلحتها النووية منذ خريف 2003، والذي أقرّت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بأنه «عقّد الجهود باتجاه الدفع نحو عقوبات أقسى ضد النظام الإيراني».
وأشارت رايس، في مقابلة مع صحيفة «يو إس إيه توداي»، إلى أن التقرير جعل البعض «يتراجع ويفكر ملياً» في فرض المزيد من العقوبات، إذ فشلت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا، أو ما يعرف بمجموعة «5+1»، لدى تباحث مندوبيها الذين يعرفون باسم «المديرين السياسيين» في مؤتمر عبر الهاتف يوم الثلاثاء الماضي في الاتفاق على العناصر النهائية لقرار في الأمم المتحدة لفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، شون مكورماك، الأربعاء الماضي، إن «التعديلات المقترحة على مشروع قرار العقوبات تدرس في العواصم الآن. وأتوقع، وإن كان ذلك لم يتقرر بعد، أن يلتقوا أوائل الأسبوع المقبل مرة أخرى لإجراء مباحثات في مؤتمر عبر الهاتف».
وقد اعترف مسؤولون أميركيون بتأجيل التصويت على أي مشروع قرار في مجلس الأمن إلى العام المقبل. كما أكد المندوب البريطاني لدى الأمم المتحدة، جون سويرز، أنه من غير
المحتمل أن تتوصّل مجموعة «5+1» لاستصدار قرار جديد لفرض عقوبات على إيران قبل نهاية العام. وقال «أعتقد أنه لا تزال هناك خلافات كبيرة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة من ناحية، والصين وروسيا من ناحية أخرى».
وواجه التقويم انتقادات عديدة من متطرفي حكومة بوش والكونغرس، الذي دعا بعض أعضائه الجمهوريين إلى إنشاء لجنة للتحقيق في الخلاصات التي توصلت إليها أجهزة الاستخبارات الأميركية.
وهاجم المحافظون الجدد، أمثال مايكل ليدن، أحد المحرضين الأوائل على غزو العراق، ونورمان بودوريتز، وهو مستشار المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية رودلف جولياني، التقويم الاستخباري والنتائج الواردة فيه، مدّعين بأن نشر محتوياته يهدف إلى التخريب السياسي من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية على إدارة بوش.
وكتب بودوريتز، المحرر السابق لمجلة «كومنتاري» وأحد المدافعين عن فكرة مهاجمة إيران، «يقوم المجتمع الاستخباري الذي دأب منذ سنوات عديدة على تسريب المواد المحسوبة لتقويض جورج بوش، بفعل ذلك مرة جديدة. الهدف هذه المرة هو إلغاء احتمال أن يصدر الرئيس قراراً بشن غارات جوية على المنشآت النووية الإيرانية». فيما كتب المندوب الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة، جون بولتون، مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست»، قال فيه «يخوض المجتمع الاستخباري كثيراً في صياغة السياسة عوضاً عن تحليل المعلومات الاستخبارية».
لكن إذا كان هناك من درس يمكن استخلاصه من ادّعاءات حكومة بوش الممهدة للحرب على العراق حول أسلحة الدمار الشامل، فهو أن الكلمات تثير، وأن الفارق مهم. وليس كل شيء هو إما أبيض أو أسود.
وفي حال إيران، وكما كانت مرحلة التحضير للحرب على العراق، هناك أمثلة عن انعدام الدقة الواضحة، إن لم تكن إيضاحات مغلوطة قصداً، للمعلومات الاستخبارية عن برنامج إيران النووي.
وأحد الأمثلة البارزة تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي في خريف عام 2006 بعنوان «الاعتراف بإيران خطراً استراتيجياً: تحدٍ استخباري أمام الولايات المتحدة»، الذي وضعه الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) فريدريك فليتز وجون بولتون.
لكن التقرير كان سيئاً إلى درجة أن فريق مفتشي الأمم المتحدة الذي يحقق في برنامج إيران النووي بعث رسالة إلى إدارة بوش وإلى رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي احتجاجاً على التقرير. ووصفت الرسالة بعض مقاطع التقرير بأنها «مريعة وغير نزيهة»، وعرض الفريق تقديم أدلة لدحض الادّعاءات الرئيسية فيه، ومنها أن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أزاح أحد كبار المفتشين من التحقيق الإيراني لأنه أثار «القلق حول الخيبة الإيرانية المتعلقة ببرنامجها النووي». وقالت الوكالة الدولية إن المفتش لا يزال في منصبه.
ويبدو أن هؤلاء المتطرفين المدافعين عن نظرية الهجوم على إيران يريدون الحصول على كعكتهم وتناول قطعة منها أيضاً. لقد انتقدوا وكالة الاستخبارات المركزية بسبب النقص في معلوماتها قبل الحرب على العراق ولعجزها عن جمع المعلومات الاستخبارية الكافية عن البرنامج الإيراني النووي، وادّعوا في الوقت نفسه أن المعلومات كافية لتدمير البرنامج النووي الإيراني من خلال هجمات جوية دقيقة.
وفي ترداد للمعلومات المضللة التي سبقت الحرب على العراق، قال بعض المسؤولين في الـ«سي آي آيه» وفي وكالة الاستخبارات الدفاعية وفي وزارة الخارجية إنهم «قلقون من أن يكون مكتب نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني تلقى سلسلة من المعلومات المشكوك بصحتها صادرة عن منفيين إيرانيين، بمن فيهم تاجر الأسلحة منوشهر غوربانيفار، الذي أدى دوراً في فضيحة إيران ـــــ كونترا في الثمانينات من القرن الماضي».
وتضمّ وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) حالياً إدارة جديدة لملف إيران، تضم بعض الوجوه نفسها التي كانت مسؤولة عن جمع المعلومات عن العراق في مكتب الخطط الخاصة. ومن هذه الوجوه أبرام شولسكي وجون تريغيليو ولادان أرشين. ويخشى أن يكون مكتبهم قد أصبح قناة لغوربانيفار الذي تراه الـ«سي آي آيه» «مفبركاً» منذ عام 1984.
ويؤكد خبراء ومحللون ومسؤولون أميركيون أن هذه المجموعات، التي تنتمي إلى المحافظين الجدد، لا تملك حرية الوصول إلى المعلومات الاستخبارية السرية التي استند إليها التقويم الاستخباري الجديد، إضافة إلى أن «الفريق الأحمر» الذي شكله مدير الـ«سي آي إيه»، مايكل هيدن، وجد في شهر تشرين الأول الماضي أنه من غير المرجّح أن يكون الإيرانيون يديرون حملة تضليل إعلامي واستخباري بشأن برنامجهم النووي.
يذكر، أنه على الرغم من جميع الإعلانات الصادرة عن إدارة بوش حول برنامج إيران النووي، فإنها لم تكن مبنية على معلومات استخبارية جيدة. وفي أفضل الحالات يمكن اعتبار التواجد الاستخباري الأميركي على الأرض في إيران محدوداً. لذلك فإن معظم المعلومات الاستخبارية عن إيران تأتي عن طريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو عن طريق ما يسمى «مكتب الارتباط الخارجي»، أي وكالات استخبارات الدول الحليفة للولايات المتحدة.
وأشارت بعض التقارير إلى أن القسم الرئيسي من المعلومات الاستخبارية التي نتج عنها التقويم الاستخباري بأن طهران أوقفت برنامج الأسلحة النووية، جاء عن طريق مكتب الارتباط الخارجي. ومن المؤكد أن بعض أعضاء الكونغرس لا يثقون بكل بساطة بإدارة بوش عندما يتعلق الأمر بمعلومات استخبارية عن إيران.
ولقلقه من أن يقوم البيت الأبيض بمحاولة التلاعب بمسيرة المعلومات الاستخبارية مرة ثانية، قدّم زعيم الأكثرية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد في حزيران الماضي، مشروع قانون «لجنة الإشراف على المعلومات الاستخبارية عن إيران»، الذي يهدف إلى ضمان أن كل ادعاءات إدارة بوش حول إيران ستحظى بالإجماع لدى تقويمها من قبل محللين استخباريين.
وريد ليس قلقاً لوحده. فقد قدم العضو الديموقراطي في مجلس الشيوخ، روبرت بيرد، وأعضاء ديموقراطيون وجمهوريون آخرون في مجلس النواب قوانين مشابهة، ومن بين هؤلاء الأعضاء: الجمهوري والتر جونز والديموقراطيان بيتر ديفازيو وباربرة لي.
والقلق لا يقتصر على أعضاء الكونغرس الأميركي، فقد دعا بعض أعضاء النخبة في الحكومة الأميركية إلى المزيد من المباحثات مع إيران. إلى جانب دعوات مماثلة وردت في تقرير «مجموعة دراسة العراق»، كانت هناك دعوات أخرى مثل مجموعة العمل التي أنشئت في مجلس العلاقات الخارجية عام 2004 برئاسة روبرت غيتس، الذي أصبح اليوم وزيراً للدفاع، ومستشار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر للأمن القومي، زبيغنيو بريجينسكي.
ويعرب المسؤولون المدنيون والعسكريون في البنتاغون عن تحفظهم إزاء الخيار العسكري، محذّرين من أنه ينبغي أن يكون الخيار الأخير. وقال بعضهم، في أحاديث خاصة منذ صدور التقويم الاستخباري، إنه قوّض الجهود لضبط إيران دبلوماسياً، مثيرين احتمال التحدي الإيراني الذي من شأنه زيادة الوضع الحالي سوءاً.
وأكد مسؤول أميركي بأن التقويم الاستخباري الجديد أبطأ المناقشات الخاصة بالعقوبات. وقال «هو بالقطع سهل على روسيا والصين رفض الموافقة على المجموعة التالية من العقوبات».
وقال مسؤول أميركي آخر، طلب عدم الإفصاح عن هويته، إن المعلومات والنتائج التي تضمنها التقويم الاستخباري الجديد قد استخدمته إدارة بوش لدعم مطلبها لدى بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا لتشديد الضغط على إيران، حيث اتصل الرئيس بوش بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين والصيني هو جينتاو، الأسبوع الماضي، شارحاً لهما نتائج التقويم الذي استند إلى معلومات ومحادثات بين المسؤولين الإيرانيين عن البرنامج النووي جرى اعتراضها من قبل وكالة الأمن القومي الأميركية.