حسن شقراني
«خيارات مستقبليّة بديلة لروسيا» هو عنوان تقرير جديد صدر عن «مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة» في واشنطن أمس، يتضمّن سيناريوات خطّها باحثون منتقدون (على الطريقة الأميركيّة) لـ«الديموقراطيّة السياديّة» السائدة في روسيا.
المدير السابق للفرع المتخصّص بالشؤون الروسيّة في «مجلس الأمن القومي» الأميركي، توماس غراهام، كتب التصوّر التالي: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيسلّم بسلاسة وسلميّة الوديعة إلى المرشّح الذي يتلقى دعمه، وهو نائب رئيس الوزراء ديميتري ميدفيديف، وسيتولّى الأخير زعامة الكرملين لولايتين، ويتسلّم زمام الأمور من بعده، بسلميّة أيضاً، مرشّح جديد، والنتيجة الأساسيّة من هذا الطرح هو أنّ التأثير السياسي لبوتين سيفنى مع مرور الأعوام.
السيناريو الأكثر سوداويّة (معظم السيناريوات سوداويّة إذ تشدّد على أنّ الحكم القائم على الشخصنة لا المؤسّسات لن يُنتج استقراراً) خطّه رئيس قسم روسيا وأوراسيا في مركز الدراسات، أندرو كوتشين، ونصّ على أنّه سيُغتال بوتين عند مدخل «كاتدرائيّة المسيح المخلّص» بعد منتصف ليل 7 كانون الثاني المقبل (عيد الميلاد الأرثوذكسي الروسي)، وستدخل البلاد فوراً في فوضى. ستعلن حال الطوارئ في 20 من الشهر نفسه، وسيتسلّم الرئاسة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصاديّة سيرغي ناريشكين (يبدو أنّ التوقّع قد خُطّ قبل أن يعلن بوتين دعمه لميدفيديف).
التوقّعات كثيرة. وعلى شاكلة التحليلات الموجودة في التقرير الأخير، صدرت، منذ إعلان بوتين عدم نيّته الترشّح لولاية ثالثة (وبالتالي تعديل الدستور)، قراءات لـ«الإجراءات التي يمكن أن يتّخذها بوتين للإيقاء على سيطرته على مفاصل السلطة». ومع اقتراب الانتخابات الرئاسيّة في 2 آذار المقبل، تبدو حسّاسية كلّ خطوة يقوم بها سيّد الكرملين.
خلال اليومين الماضيين، أجرى بوتين في منسك محادثات مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاتشينكو، ظهر منها إلى العلن الاتفاق على توطيد التعاون (الاقتصادي أساساً) بين البلدين (أثنى بوتين على وصول قيمة حجم التبادل التجاري بين البلدين مع انتهاء العام الجاري إلى 24 مليار دولار). إلا أنّ الباطن منها (حسبما ذكرت في الآونة الأخيرة تحليلات، وحتّى مصادر من مكتب لوكاتشينكو نفسه) يفيد بأنّ النقاش دار بشأن مسوّدات لدستور الدولة «الروسيّة البيلاروسيّة» الموحّدة، التي قد يرأسها بوتين بصلاحيّات تفوق تلك التي تتمتع بها الحكومتان الوطنيّتان.
تطوّر آخر حدث خلال اليومين الماضيين، هو إعلان موسكو رفع الحظر على منتجات اللحم البولنديّة (وهي خطوة كانت متوقّعة منذ انتهاء حكم الأخوين كاتشينسكي في وارسو وتولّي دونالد تاسك رئاسة الحكومة)، وهو الإجراء الذي قد يمهّد لرفع الـ«فيتو» البولندي عن بدء محادثات لإقرار شراكة جديدة بين روسيا والاتحاد الأوروبي. وهذا مكسب آخر لموسكو على صعيد القارّة الأوروبيّة. وإذا أُقرّت «الوحدة» المذكورة فعلاً، فسيكون بوتين سيّداً على مساحة جغرافيّة أكبر من تلك الروسيّة، وسيلعب أوراقه مع أوروبا بثقة أكبر.
أيّاً كانت التوقّعات والأبحاث التي تفيد بأنّ نجم بوتين متّجه نحو الأفول، إلا أن سيد الكرملين يبدو أنه لا يغفل التفاصيل، ويوفّر أوقاتاً كافية لدراسة الخيارات الاستراتيجيّة مهما علت أصوات المعارضين في منسك قائلة: «لا للوحدة مع روسيا الإمبرياليّة».