بغداد ـ زيد الزبيدي
في شباط المقبل، من المقرَّر أن تُعقد فعّاليّات مؤتمر البرلمانيّين العرب في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، حيث لا يزال رفع العلم العراقي ممنوعاً. ومع إعلان حكومة الإقليم فتح «مسابقة» لتغيير العلم العراقي، تُثار مخاوف من اندلاع فتنة جديدة مردّها رفض العرب القاطع لهذه الخطوة الـ«أحاديّة الجانب»

تزامناً مع الزيارة التي يجريها وفد من إقليم كردستان العراق حاليّاً إلى بغداد، لإجراء مباحثات في شأن النقاط الخلافية بين الحكومة الإقليمية والحكومة المركزيّة، أعلنت الحكومة الكردية فتح الباب أمام مسابقة لاختيار علم جديد لبلاد الرافدين، من جانب واحد، متجاهلة بالكامل حكومة بغداد وخطورة المبادرة التي قد تؤدّي في ما تحمله من رمزية بالنسبة إلى العرب، إلى فتنة، وخاصة أنّ العلم هو في جميع الدول الفدرالية من القضايا السيادية التي تبقى من صلاحيات الحكومة الاتحادية لا من صلاحيات أو اختصاصات الأقاليم.
وكان لافتاً ما أعلنه وزير الثقافة في إقليم كردستان العراق فلك الدين كاكائي من أنّ وزارته تلقّت مجموعة تصاميم للعلم العراقي الجديد «من فنّانين أكراد»، وأنّ لجنة قد تألّفت لتلقّي التصاميم المقترحة في مسابقة اختيار العلم الجديد، الذي «يُبرز مكوّنات الشعب العراقي الإثنية والدينية والسلام والديموقراطيّة والتآخي بين مكوّناته».
ولا أحد في العراق يشكّ في أنّ الكاكائي ليس وراء هذا المشروع، ولا سيما أنه «القومي العربي» سابقاً. وصحّ هذا التوقّع، إذ كشف الكاكائي نفسه أخيراً أنّ صاحب الفكرة هو رئيس الإقليم مسعود البرزاني، كإجراء تمهيدي لانعقاد المؤتمر البرلماني العربي في أربيل، المقرّر في شباط المقبل.
وقد أعربت مصادر برلمانية عراقية عن اعتقادها بأنّ اختيار مدينة أربيل مكاناً للمؤتمر، لم يكن اختياراً موفّقاً، لأنّ العديد من الكتل البرلمانية، والبرلمانيّين المستقلّين، يمكن أن يقاطعوا هذا المؤتمر، لأسباب عديدة، منها ما يرى البعض أنّه «مواقف عدائية تجاه العرب من جانب بعض الأطراف الكردية»، إضافة إلى أنّ الوفود التي ستحضر المؤتمر سترفع أعلام دولها، إلّا العراق، البلد المضيف، الذي يُمنَع فيه رفع علمه في الإقليم الكردي، رغم أنّ حاكمه مسعود البرزاني لا يفتأ يؤكّد أنّه جزء من العراق.
وفي السياق، أبدى برلمانيون عراقيون استغرابهم لمواقف المسؤولين الأكراد من انعقاد هذا المؤتمر في كردستان، وهم من أصرّوا على حذف عبارة «العراق جزء من الأمّة العربية» من الدستور غير المكتمل حتى الآن، والاستعاضة عنها بعبارة «الشعب العربي في العراق جزء من الأمّة العربية»، وهي العبارة التي جرى تعديلها أيضاً لتصبح «العراق جزء من العالم الإسلامي وعضو فعال في الجامعة العربية».
ويبدو أنّ الجانب الكردي استعاض عن رفض انعقاد المؤتمر على أراضيه بتقديم مطالب مسبقة، شبه تعجيزية، بهدف وضع الآخرين أمام الأمر الواقع، وفي مقدّمة هذه المطالب، تغيير العلم العراقي.
وكشفت مصادر برلمانيّة عراقيّة أنّ البرزاني وجّه رسالة إلى رئيس مجلس النوّاب العراقي محمود المشهداني يطالبه فيها بضرورة «إقرار علم عراقي جديد»، تلافياً للإشكالات المتوقَّع حدوثها خلال انعقاد جلسات المؤتمر، وهو ما يراه الكثير من البرلمانيّين العراقيّين والعرب خروجاً على المألوف في كلّ القوانين والدساتير.
ويرى المسؤولون الأكراد أنّ العلم العراقي الحالي «علم شوفيني عربي»، إلا أنّه حسب العديد من البرلمانيّين المحايدين، فالعلم بحدّ ذاته، بقاؤه أو تغييره، «لا يمثّل مشكلة، إذ سبق أن جرى تغييره مرّات عديدة من دون أن يرى أحد أن ذلك مساس بالوطنية، إلّا أنّ تغيير العلم يجب أن يجري بشكل متّفق عليه، وليس كما يحاول الأكراد اليوم فعله، أي تغييره من طرف واحد».
ولم تكن مسألة العلم العراقي لتثير مشكلة، لولا تسرّع الحاكم الأميركي السابق بول بريمر ومجلس الحكم الذي أنشأه، بإقرار علم بديل، يشبه إلى حدّ بعيد العلم الإسرائيلي، الأمر الذي أثار غضب الشارع العراقي، ما اضطرّ بريمر ومجلس حكمه إلى التراجع عنه. ومن ثمّ جاءت معارك الفلوجة في ربيع 2004، التي انتصرت المقاومة فيها، وقامت القوّات التي تشكّلت لحماية المدينة باستعراض عسكري، رفعت فيه العلم العراقي الحالي، وهذا في اعتقاد الكثيرين هو السبب الذي دعا القادة الأكراد، وخاصة مسعود البرزاني، إلى التعبير عن ردّ فعل بإصدار أوامر تمنع رفع العلم العراقي في إقليم كردستان العراق، وخصوصاً أنّ عناصر من البشمركة الكرديّة شاركت في المعارك إلى جانب القوات الأميركية.
وتبرّر حكومة الإقليم رفضها رفع العلم العراقي الحالي على المؤسّسات الحكومية والخاصة، بأن العلم مرتبط بشخص صدام حسين، وأنّه تحت هذا العلم، قامت قوات الجيش العراقي السابق بقصف الأكراد في مجازر «الأنفال». وهذا ما يدحضه معظم الساسة العراقيين، لأنّ «الأنفال» جرت عام 1988، بينما قبّل مسعود البرزاني، ومعه الرئيس الحالي جلال الطالباني، صدّام حسين وتحالفا معه تحت قبّة العلم العراقي الحالي، عندما قدما إلى بغداد للتفاوض عام 1991. كما كان العلم نفسه موجوداً عندما استنجد البرزاني بصدّام، وطلب منه إرسال الحرس الجمهوري لطرد الطالباني من اربيل، تحت ذريعة «الحدّ من التغلغل الإيراني».
ولمّا كانت مسابقة إنجاز علم جديد، غير واقعية، لأنها تحتاج الى وقت مناسب، وتشكيل لجنة تحكيم فنية «بحسب المحاصصة الطائفية والعرقية» (على حدّ تعبير الكاكائي)، الأمر الذي يحتاج إلى سنوات للتوصّل الى توافق حوله، فإنّ بعض المقرّبين من البرزاني يرجّح أن يتمّ اختيار علم ثورة 14 تموز 1958، الذي يحظى بقبول واسع لدى العراقيّين.
ولكن في الوقت نفسه، يثير هذا الاحتمال شكوكاً لكون مصطفى البرزاني، والد مسعود، كان قد قاد التمرّد الكردي ضدّ عبد الكريم قاسم، وكان علم 1958 مرفوعاً عندما قاتل الجيش العراقي جماعة البرزاني.