بغداد ـ الأخبار
منذ يوم أمس، بات الجنوب العراقي بجميع محافظاته واقعاً في إطار المسؤوليّة الأمنية للسلطات العراقية، بعدما تسلّمت حكومة بغداد، من قوات الاحتلال البريطانيّة، أمن محافظة البصرة، أكبر محافظات الجنوب مساحة وسكّاناً. وبهذا، تكون الحكومة المركزيّة قد أحكمت قبضتها على كامل محافظات الجنوب، بعدما سبق لها أن تسلّمت أمن محافظات المثنّى وذي قار وميسان، لتسيطر على تسع محافظات من أصل 18 في العراق.
أمّا الشمال العراقي، وتحديداً في كردستان، فقد شهد في اليومين الأخيرين، قصفاً جويّاً ومدفعيّاً تركيّاً لقرى عراقيّة مأهولة بالسكّان، يُعَدّ الأعنف منذ فترة، أودى للمرّة الأولى بحياة امرأة عراقيّة.
وقبل ساعات من مراسم نقل السلطة إلى القوات العراقية، سقطت قذائف صاروخية على المقرّ الرئيسي للقوات البريطانية في الجزء الشمالي من البصرة، من دون أن تعلن القيادة البريطانية حجم الأضرار.
وفي وقت لاحق، وقّع كلّ من محافظ البصرة محمد الوائلي وقائد القوات البريطانية هناك الميجور جنرال غراهام بينز في قاعدة مطار البصرة، مذكّرة تفاهم تنصّ على نقل السلطات، في مشاركة بريطانية لافتة من وزير الخارجية دايفيد ميليباند (الموجود في البصرة، لكنّه لم يشارك في مراسم الاحتفال)، ووزير الدفاع ديس براون.
أمّا مستشار الأمن القومي العراقي، موفّق الربيعي، فألقى كلمة رئيس الوزراء نوري المالكي، مشيراً إلى أنّ «تسلّم الملفّ الأمني يمثّل انتصاراً للعراقيّين ضدّ الإرهاب»، ومؤكّداً أنّ «ثورة بناء ستبدأ في هذه المحافظة، وعلى الجميع التوحّد، شيعة وسنّة مسلمين وغيرهم ولا تنظروا إلى هؤلاء الذين من خارج الحدود».
من جهته، أشاد ميليباند بـ«التقدّم الكبير» المتمثّل في تسلّم السلطات العراقيّة لمحافظة البصرة. وأضاف «أريد أن يعلم العراقيون أنّنا سنظلّ صديقاً وفياً».
بدوره، قال براون «كانت رحلة صعبة جداً، لكننا لم نبلغ نهاية الطريق بعد. دورنا في العراق يتغيّر إلى دور الإشراف، لكن التزامنا حيال العراق لن يتزحزح».
في المقابل، عبّر الوائلي عن عزم حكومته على «فرض القانون بكل صرامة وقوة»، وطالب بنزع سلاح الميليشيات، معبّراً عن أمله في أن تكون البصرة «محافظة منزوعة السلاح وعلى السلاح أن يكون محصوراً بيد قوات الأمن العراقية لأنّنا مقبلون على انفتاح اقتصادي كبير».
ومن المتوقّع أن تستمرّ القوّات البريطانية بتقديم الدعم للقوّات الأمنيّة العراقيّة، وخصوصاً في مجال مراقبة الحدود مع إيران.
ولفت عدد من المراقبين ما أعلنه قائد شرطة البصرة اللواء الركن عبد الجليل خلف، عن تسلّم القوّات الأمنية في محافظة البصرة سرباً من «الطائرات الحديثة» لغرض توفير الحماية الأمنية الكافية لأجواء وحدود البصرة، وهو ما أثار استغراب وتساؤل الأوساط السياسية والعسكرية في العراق، عن مصير أضخم أسطول جوّي عسكري ومدني كان العراق يمتلكه في المنطقة.
أمّا على الجبهة الشماليّة، فقتلت غارات نفّذتها طائرات تركية ليل السبت ـــــ الأحد امرأة وجرحت خمسة أشخاص آخرين، بينهم ثلاث نساء، استهدفت قرى كردية عراقية في مناطق قرب جبال قنديل في شمال البلاد حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني.
وقال قائمقام قضاء قلعة دزة المتاخمة لجبال قنديل، حسين أحمد، إنّ قرية ليجوة المستهدَفَة «كانت مقرّاً لقيادة حزب العمال الكردستاني في السابق». كما كشف عن أنّ «عدداً من المستشفيات والمدارس تعرّضت للقصف كذلك».
من جهته، اعترف الجيش التركي بأنّ مقاتلاته ومدفعيّته قصفت أهدافاً كردية في شمال العراق، وبالتحديد «مناطق الزاب وهاكورك وافاشين وجبل قنديل». وأكّد بيان للجيش أنّ «العملية التي جرت ضمن إطار الصلاحيات التي مُنحت للقوّات المسلّحة التركية، ستتواصل بتصميم وبما يتّفق مع واجباتنا العسكرية»، موضحاً أنّ القصف استهدف «متمرّدين» أكراداً لا السكّان.
كما أكّد نائب رئيس الوزراء التركي جميل جيجيك، أمس، أنّ جيشه سيواصل ضرباته ضدّ «المتمرّدين» شمال العراق. في حين أكّد وزير الخارجية علي باباجان أنّ قصف الأحد لم يستهدف مدنيّين.
كما أعرب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن ارتياحه للعملية «الناجحة». وقال، في كلمة متلفزة، «يسعدني التمكّن من القول إن تقييمنا الأوّلي للعملية التي نُفّذت ليلاً يقول إنّها كانت ناجحة». وجدّد التأكيد على أنّ أنقرة مستعدّة لاستخدام الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لدحر «المتمرّدين»، موضحاً «أنّ هذا الكفاح سيستمرّ بحزم في البلاد وخارجها».
وفي ما يختصّ بالمحادثات الأميركية ـــــ الإيرانية، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أوّل من أمس أن بداية شهر كانون الثاني 2008 المقبل قد يشهد استئناف المحادثات مع الأميركيين بشأن العراق، محمّلة في الوقت نفسه مسؤولية التأجيل إلى واشنطن. ولفت المتحدّث باسم الوزارة محمد علي حسيني إلى أنّ المحادثات ستشمل أيضاً مسألة «مجاهدي خلق»، وهو تنظيم إيراني معارض شطبته السلطات البريطانية عن لائحة التنظيمات الإرهابية.
كما كان السفير الإيراني لدى بغداد حسن كاظمي قمي قد أعلن أنّ المباحثات التمهيدية بين إيران والحكومة العراقية للإعداد للجولة الرابعة للمباحثات الثلاثية بين بغداد وطهران وواشنطن حول الأمن في العراق، بدأت مساء الجمعة. وأشار إلى أنّ وفداً إيرانياً وصل إلى بغداد الجمعة وبدأ محادثاته التمهيدية مع المسؤولين العراقيين للبحث في محاور محادثات الجولة الرابعة.