أنقرة ــ الأخبار
يمكن القول إنّ الحكومة التركيّة في طريقها لفتح أبواب «الجنّة» على الأرض، لـ«التائبين» من حزب العمّال الكردستاني، ممّن يقرّر منهم أن يكون «مخبراً» لدى السلطات التركيّة. هذا جوهر التعديل على المادّة الـ221 من قانون العقوبات التركي تحت اسم «حماية الشهود»

يقدّم قانون حماية الشهود امتيازات هائلة يستفيد منها عناصر حزب العمّال الكردستاني ممّن لم يرتكبوا «جرائم إرهابيّة» بحقّ الجيش التركي. والامتيازات هذه، تتنوّع وتُعدّ غير مسبوقة في تاريخ تركيا الطويل في صراعها مع هذا الحزب الكردي.
ويفتح القانون الجديد أمام «العائدين من الجبال» (كما تسمّي الطبقة السياسية مقاتلي العمّال)، خيارات العيش «حياة جديدة» بسلام في تركيا، أو حتّى قضاء حياتهم بحريّة في الخارج مع تقديم مساعدات جمّة ماديّاً واجتماعياً...
ويشير الصحافي إركان يافوز، من صحيفة «زمان» التركيّة، إلى أنّه بهذه الطريقة، تعتقد حكومة رجب طيّب أردوغان أنّها ستزيد بشكل كبير من أعداد العائدين من الجبال. وتندرج إجراءات هذا القانون الجديد من ضمن مشروع توسيع بنود «العفو» الذي أشار إليه أردوغان قبل فترة وأثار حملة عنيفة من الانتقادات من الحركة القومية والجيش التركيّين عليه. وتطال إجراءات «حماية الشهود» ميادين الحياة جميعها؛ فهو يضمن قانونياً السلامة الجسدية للمقاتلين السابقين، مع تسليمهم رخص حمل سلاح للدفاع عن أنفسهم، كما يؤمّن لهم عناصر حماية من جانب الدولة. أمّا اجتماعياً، فسيجري تغيير الهويات الشخصية لهؤلاء الأشخاص وكلّ الوثائق المتعلّقة بهم في سجلات الدولة ودوائرها، كما عناوين سكنهم. وفي المواضيع المعيشيّة، تضمن الإجراءات تأمين مساعدة مادّية حكومية مؤقّتة لهؤلاء «الإرهابيّين السابقين» وتأمين وظائف لهم بديلة عن تلك التي كانوا يشغلونها قبل التحاقهم بصفوف «الكردستاني».
أكثر ما يلفت في الموضوع، أنّ الجرائم التي تخطّط الحكومة للعفو عنها و«المكافأة» عليها، كان يعاقب عليها القانون التركي بعقوبات أدناها السجن 10 سنوات، وتصل إلى السجن الإنفرادي مدى الحياة. وبموجب قانون «حماية الشهود»، يقدّم العضو السابق في الحزب الكردي المحظور، شهادته بصوت وصورة مموَّهين. حتّى إنّ التعديل القانوني يمنح للمحقّق العدلي صلاحية «منح» الشاهد إجراءات الحماية المذكورة أعلاه من دون العودة إلى طلب ذلك من المحكمة. أمّا عن الإقامة في دولة أجنبيّة، فكشفت «زمان» أنّ الدول التي سيجري انتقاؤها ستكون من ضمن لائحة تجمعها مع تركيا معاهدات «تعامل بالمثل».
ولا تقتصر إجراءات الحماية على الشاهد نفسه، بل تطال أفراد عائلته (ومن ضمن العائلة المرأة المطلّقة والخطيبة حتّى) وأصدقاءه المقرّبين. والسريّة التامّة ستكون أهم سمات تلك الإجراءات. وهذه السرية تبدأ بتغيير عنوان المنزل.
ويشمل «العرض» القانوني طيفاً واسعاً من عناصر «العمّال»، تبدأ من المقاتلين العاديّين، وتصل إلى مموّلي الحزب وقادته الكبار حتّى، لكن من دون أن يستفيد منها طبعاً زعيم الحزب عبد الله أوجلان المعتقل في جزيرة إمرلي منذ عام 1999. حتّى إنّ هذه الفئة الأخيرة من كوادر الحزب، ستُعرَض عليها الاستفادة من الإجراءات من دون حتّى أن يقدّم أفرادها شهاداتهم القانونيّة أمام المحاكم.
المهمّ في موضوع «حماية الشهود» بالنسبة إلى العقل التركي الرسمي، أمران: أوّلاً، أن تتأكّد السلطات من أنّ العنصر، فرداً عاديّاً كان أم كادراً قياديّاً، أوقف نشاطه فعلاً في ما تسمّيه «نشاطات إرهابيّة». وثانياً، أن تنال من هذا الفرد أكبر كمّ ممكن من المعلومات الاستخباريّة الثمينة عن كل ما يتعلّق بالحزب الكردي. وليس سرّاً أن «قاعدة المعلومات» التي تجنيها السلطات التركيّة من عناصر «العمّال الكردستاني» أو تعاون السلطات العراقية والأميركية معها، تُستَخدَم بفعّاليّة حالياً في عمليات التوغّل والغارات التي تقوم بها الفرق التركية الخاصّة في مواقع متقدّمة داخل الأراضي العراقيّة.
يبقى السؤال الجدّي يتمحور حول مقدار القبول الذي سيواجه به عسكر تركيا تلك الإجراءات. فإذا كان النوّاب الأكراد التابعون لحزب «المجتمع الديموقراطي» هم «إرهابيّين» بحسب وصف قائد الجيش يسار بويوكانيت، لمجرّد أنه سبق أن كانت لهم علاقات عاطفيّة وعائليّة بمقاتلين في «العمّال الكردستاني»، فكيف سيكون ردّ فعل المؤسّسة العسكريّة إزاء مقاتلين أكراد، تريد الحكومة الإسلامية المعتدلة أن تتكرّم عليهم بكل الضمانات الأمنية والاجتماعية والاقتصاديّة؟