أرنست خوري
شأنها شأن سلفها كولن باول، تجهد وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا للظهور كأنّها حمامة جمهورية تبغض الصقور وتريد معالجة مشكلات العالم، وإنجاح الحروب الإمبرياليّة للولايات المتّحدة، بأقلّ قدر من إراقة الدماء.
ويبدو أنّ رايس تبغض العولمة العسكريّة، التي جعلت الجيش يحتكر وظائف غير عسكريّة. تريد العودة إلى زمن مضى، زمن كان فيه تقسيم العمل محتَرَماً خلال الحروب، إذ كانت الجيوش الاستعماريّة تسير خلف فرق الكشّافة، وتجرّ وراءها فرقاً من المدنيّين من أطبّاء ومهندسين وعلماء لغة واجتماع وعلماء نفس وخبراء اقتصاديّين. أمّا العصر الحديث، فقد تميّز بتأدية الجيش لأدوار تتخطّى العمليّات العسكريّة.
وهذه النقطة بالتحديد، رأى فيها كل من رايس والسيناتور الجمهوري ريتشارد لوغار سبباً في مآزق واجهتها «مهمّات جيوشنا في الخارج»، وذلك في مقال نشراها يوم أمس في صحيفة «واشنطن بوست».
وتحت عنوان: «شريك مدني لفرقنا العسكريّة»، قدّم لوغار ورايس قراءة تحمل توسّلاً إلى مجلسي الشيوخ والنوّاب لحثّهم على الموافقة على تمويل مشروع يقضي بتحضير «جيش من المدنيّين»، مهمّته، بحسب الكاتبَين، «إنجاز مهمّات فترة ما بعد النزاعات من تأمين عوامل الاستقرار وإعادة الإعمار».
وتذهب رايس إلى حدّ تقديم مطالعة شبه ماركسيّة، تقرّ فيها بأنّ جذور الحروب والنزاعات تعود أساساً إلى ضعف وتخلّف المؤسّسات الدولتيّة في الدول الفقيرة، كما إلى الاقتصاديّات الفاشلة فيها... في سلّة من العوامل تختصرها بـ«الدول الفاشلة».
وحملت المقالة إشادة بالإنجازات التي حقّقها ولا يزال جيش الولايات المتّحدة في عدد من الأماكن (عدّدت رايس الصومال وهاييتي وكوسوفو وأفغانستان والعراق). لكنّ هذه الإشادة حملت في طيّاتها نقطة موضع خلاف استفحل بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع وقيادة الجيش، بشأن سؤال: هل المطلوب أن نحصر دور الجيش في تقديم القتلى وتكبّد معاناة الحروب، أي تنظيف الأرض لتكون مستوية أمام أجهزة تابعة للوزارات المختلفة، تقطف ثمار المعارك وتنال السمعة الطيّبة لكونها علّمت الشعوب المحليّة كيف تحكم نفسها بديموقراطيّة، وكيف تنتسب إلى المؤسّسات النقدية الدولية، وكيف تزرع الأراضي بالأسمدة الكيميائية المسبّبة جزئياً للاحتباس الحراري، وكيف تأكل شعوبها أطباق مطاعم «ماكدونالدز»...؟
ما تطرحه رايس من إنشاء جيش من المدنيّين المتطوّعين الخبراء في الاقتصاد والاجتماع والتعليم والزراعة، الحاضرين للانتشار في مناطق النزاعات بعد «تنظيفها» من الإرهابيّين، ليس بجديد. لكنّ اللافت هو إشادتها بالدور الذي أدّته خدمات usaid (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي وكالة حكومية تابعة لوزارة الخارجية مباشرة) في مناطق عديدة.
لاحظوا كيف أنّ الإعلانات التي تشكر مساعدات usaid، ورغم أنها تخضع إدارياً وسياسياً لرايس، تملأ شاشات الإذاعات والصحف اللبنانيّة، حتّى تلك التي تطرح نفسها في مواقع المقاومة والممانعة للمشروع الأميركي... فبرافو لـUSAID.