برلين ــ غسان أبو حمد
مسيرات يساريّة تندّد بـ«دولة السي آي إيه»... بامتحان «النظافة من الإرهاب»

اتّخذت وزارة الداخلية الألمانية سلسلة إجراءات أمنية مشدّدة، تفادياً لحدوث أعمال شغب في بعض المدن الكبرى، وخصوصاً تلك المعروفة بميولها اليسارية، أو بوجود عدد كبير من الرعايا الأكراد والأتراك.
وتأتي هذه الإجراءات الأمنية المشددة بعد أعمال شغب واشتباكات بين عدد من المتظاهرين ورجال الشرطة، أدت إلى جرحى في صفوف الطرفين، واعتقال عدد من المحتجين، وصدور بيانات لاحقة عن بعض القوى والجمعيات الكردية، يشير مضمونها إلى حالة احتقان عكستها الأعمال العسكرية التركية ضد الأكراد في شمال العراق.
وكانت مدينة دوسلدورف قد شهدت في عطلة الأسبوع تظاهرة دعت إليها بعض الجمعيات الكردية احتجاجاً على الأعمال العسكرية التركية في شمال العراق، وللمطالبة بالإفراج عن القيادات الكردية المعتقلة في السجون التركية، وبينها زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان. وتجاوز عدد المتظاهرين عشرة آلاف، رفعوا شعارات مندّدة بالهجمة التركية والمباركة الدولية لها. كما وُزِّعَت بيانات تضمّنت إدانة لسياسة الإدارة الأميركية الحالية ودعمها للحملة العسكرية التركية.
وتعيد مراجع سياسية ألمانية أسباب الإجراءات الأمنية المشدّدة إلى أن الرعايا الأكراد والأتراك هم في طليعة الأرقام على لوائح اللجوء إلى ألمانيا، ويعيشون متجاورين في المدن الألمانية، ما يشير إلى احتمال صدامات بين الجاليتين.
ويذكر في هذا المجال أن حزب العمال الكردستاني هو حزب محظور في ألمانيا، كما تجدر الإشارة إلى أن عدد اللاجئين العراقيين إلى ألمانيا نتيجة احتلال العراق ارتفع بشكل كبير في العامين الماضيين، ويصعب على السلطات الألمانية التمييز بين هويات اللاجئين وفرزهم بحسب التمييز العرقي بعد ضياع الأرض ودمار المدن، ومعها هويات الشعوب.

التجسّس «الرسمي»

وتلازمت التظاهرة الكردية، وما نجم عنها من آثار في مدينة دوسلدورف، مع تظاهرات أخرى في مدينتي هامبورغ وروستوك، حيث لبّى أكثر من ثلاثة آلاف متظاهر، في عطلة الأسبوع الماضي، دعوة الأحزاب اليسارية وقادة نقابات المهن الحرّة إلى التظاهر احتجاجاً على أعمال الرقابة السرية التي تمارسها الدولة على حياة المواطنين الخاصة وانتهاك الحريات بحجة «مكافحة الإرهاب». وحمل المتظاهرون شعارات وصفوا فيها الإجراءات القانونية الأخيرة (المادة 129)، التي تتيح أعمال التجسس على المواقع الإلكترونية الشخصية والتنصت على خطوط الهاتف وتركيب عدسات سرّية داخل المنازل وخضوع الطلاب في الجامعات لامتحان «النظافة من الإرهاب»، بأنها «دولة الأمن السخيف» ودولة «سي آي إيه»، وغير ذلك من الألقاب التي تجسّد خرقاً فاضحاً لشرعة حقوق الإنسان والحقوق الشخصية والحريات العامة للمواطنين تحت شعار «مكافحة الإرهاب».
ولم تسلم هذه التظاهرات من وقوع أعمال شغب وتدمير لبعض واجهات المصارف والمحلات التجارية وإحراق سيارتين ومستوعبات للنفايات ورمي زجاجات (تقرير الشرطة)، ما أدى إلى تطويق المتظاهرين بعدد مماثل من رجال الشرطة، جرى استنفارهم من مدن ألمانية أخرى. وأدى هذا الاستنفار إلى وقوع اشتباكات واستخدام للعصي والهراوات وخراطيم المياه لتفريق التجمعات. ولوحظ وجود ملثمين بين المتظاهرين كان من الصعب تحديد هويتهم السياسية.
وترى أحزاب التحالف الحاكم (الاشتراكي والمسيحي الديموقراطي) تلازماً بين أحداث الشغب التي وقعت في عطلة الأسبوع، وهي تبرّر في حصيلتها و«نوعية» المشاركين فيها (لاجئون أكراد وعاطلون من العمل ومراهقون) الإسراع بتنفيذ إجراءات الرقابة السرية على المواطنين لمنع وقوع أعمال إرهابية.
وقال رئيس اللجنة الداخلية في الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحاكم، سيبستيان أداتي، أمس إن التظاهرات وأعمال الشغب تدفعنا إلى الإسراع بتطبيق الرقابة على شبكات الكومبيوتر ومواقع الاتصال الإلكتروني.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير الداخلية الاتحادي، ولفغانغ شويبله، (الحزب المسيحي الديموقراطي) كان قد وضع قانون مكافحة الإرهاب حيز التطبيق في مطلع شهر آذار الماضي بعد موافقة حكومات المقاطعات الألمانية على بنوده، وأبرزها وضع عدسات تصوير سرية و«شرعنة» التنصت على المواطنين المشتبه فيهم، وبين هذه الأمور، عمليات تنصت آلي على الهاتف تبدأ بالتسجيل عند استخدام كلمات معينة تعتبر مشبوهة.
أما في صفوف الأحزاب الرافضة لأعمال التجسس «الرسمي»، فتأتي الأحزاب اليسارية وأحزاب البيئة ونقابات المهن الحرة (الاتحاد العام للصحافيين الألمان والاتحاد العام للأطباء والمحامين والمهندسين والقضاة)، وصولاً إلى المواطنين العاديين الذين لم يبق لهم مكان في شرعة حقوق الإنسان.