ربى أبو عمّو
رغم الفتور السياسي الذي يكلّل علاقة الولايات المتحدة وروسيا على المنابر الإعلامية، والذي يترنح بين التهدئة والتصعيد، يتوقّع أن يكون صراع الديوك هذا منعطفاً عالمياً، قد يعيد خلط أوراق الأزمات الدولية في ظلّ وجود العديد من المناطق التي تقف على حافة الانفجار.
هذه الأزمات تتراوح في التوتّر بانتظار سلّة التسويات التي من المفترض أن تحملها واشنطن إلى موسكو، انطلاقاً من إقليم كوسوفو، الذي يشهد «شد حبالٍ» بين الطرفين، وتستغلّه روسيا لتحقيق الكم الأكبر من مطالبها على حساب الولايات المتحدة.
كوسوفو هو أحد أبرز النقاط الخلافية بين قطبي الحرب الباردة المتجددة، التي تجر وراءها مجموعة من الملفات. هذا التشابك الأزماتي ينتظر سلّة الربع ساعة الأخير التي من المفترض أن يحملها العم سام إلى الاتحادية البوتينية، وخصوصاً أنه يعلم تماماً أن الانفجار الكبير ليس لمصلحة أحد. في المقابل، تدرك موسكو أن الوقوف في وجه التوجّه الغربي لدعم استقلال كوسوفو من شأنه أن يكون لمصلحتها، وخصوصاً أن واشنطن تعاني الأمرّين داخلياً، وفي عدد من الملفات الخارجية.
ومن المرجّح أن الرئيس الأميركي جورج بوش بدأ بوضع الملفات التفاوضية داخل السلّة، مع إدراكه تماماً أن تليين المواقف شرٌّ لا بد منه. ويحتمل أن تتضمن هذه السلّة إعادة اقتراح بوش بضم صربيا إلى الاتحاد الأوروبي، لدى موافقتها على منح الإقليم استقلالاً ذاتياً أحادياً بإشراف الاتحاد وحلف شمالي الأطلسي. ورغم رفض صربيا هذا الاقتراح في وقت سابق، لإصرارها على استرجاع الإقليم الذي ترتبط به تاريخياً، فقد تلجأ الولايات المتحدة إلى ضمان بعض الامتيازات لبلغراد، ومنها طرح مسألة الحكم الذاتي للأقلية الصربية في كوسوفو. ورغم أن واشنطن ترغب في ضمان استقلال الإقليم لحدّ النفوذ الروسي بشكل أساسي، إلا أنها في الوقت نفسه تخشى النفوذ الإسلامي الألباني الذي يسعى إلى إنشاء ألبانيا الكبرى، وهو ما قد يجعلها أكثر ليونة في اللحظة الأخيرة.
وفي سياق النفوذ الإسلامي هذا، لا تغفل واشنطن أن البوسنة والهرسك تؤلّف غالبية مسلمة، يضاف إلى ذلك وجود «الكتيبة الجهادية» التي أسسها المهاجرون العرب الذين توافدوا إلى هذه البلاد لمواجهة التطهير العرقي بحق المسلمين، والتي تمثّل تهديداً حقيقياً بالنسبة للأوروبيين لوجودها في قلب القارة القديمة، وخصوصاً أنهم يعتقدون بصلتها بتنظيم «القاعدة».
وفي ظل قلق موسكو واعتراضها على توسّع حلف شمالي الأطلسي في شرق أوروبا، وضمه بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة، قد تلجأ واشنطن إلى إقناع موسكو بالانضمام إلى «الأطلسي»، ليتحوّل إلى حلفٍ ذي رأسين.
وتأتي أيضاً أزمة الدرع الصاروخية التي تنوي الولايات المتحدة نشرها في كل من بولندا وتشيكيا بهدف تأمين حماية استباقية ضد التهديد الإيراني بحسب الادعاءات الأميركية، والتي تراها موسكو رسالة مباشرة لها، وتستعدّ لمواجهتها.
روسيا ترغب في تعليق الولايات المتحدة نشر الدرع الصاروخية. إلاّ أن الأخيرة تريد في المقابل الحصول على موقف مساند في ما يخص الملف النووي الإيراني، إذ تدرك واشنطن أن امتلاك إيران السلاح النووي لا يصبّ في مصلحة موسكو أيضاً، وبالتالي فقد تسعى واشنطن إلى نوع من المقايضة في هذا المجال.
لا يملك بوش الوقت الكثير لتقديم سلّة التسويات إلى الجانب الروسي، إذا قرّر اعتماد هذا الحل في اللحظات الأخيرة تفادياً للانفجار. أما موسكو، فيبدو أن انطلاقتها الجديدة وحاجة الدول الأوروبية إلى «غازها»، سيحقق لها العودة إلى الأمجاد.