معمر عطوي
تحمل الموافقة الروسية على إرسال شحنات من الوقود النووي إلى محطة بوشهر الكهرو ـ ذرية الإيرانية، دلالات واضحة على تبدُّل في موقف موسكو تجاه بعض القضايا الاستراتيجية في المنطقة، رغم أن هذا الموقف يبقى أسير مصالح مفترضة مع الغرب.
ويأتي تصريح رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيراني، غلام رضا آغازادة، أمس، عن وصول أول دفعة من الوقود النووي إلى محطة بوشهر، بعد مخاضات عسيرة شهدتها المحادثات الثنائية بين البلدين، من أجل مواصلة بناء هذا المفاعل، و«تزويده بالوقود على مدى شهرين»، حسبما قال مصدر في شركة «آتوم ستروي أكسبورت» التي تشرف على بناء المحطة.
دلالات هذا التبدل في الموقف الروسي بدأت تظهر شيئاً فشيئاً منذ زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى إيران لحضور قمة دول بحر قزوين في 17 تشرين الأول الماضي. لكن مؤشرات نجاح هذه المحادثات تجلّت أكثر مع زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إلى العاصمة الروسية الأسبوع الماضي، حيث توصل مع المسؤولين الروس إلى اتفاق على موعد إكمال مشروع بناء محطة بوشهر.
زيارة متكي هذه، لا يبدو أنها تنفصل عن تحولات عديدة شهدتها المنطقة، منها التقارب الإيراني ـــــ الخليجي والتقرير الأخير لوكالات الاستخبارات الأميركية حول الأنشطة النووية الإيرانية، وازدياد حجم التباينات بين أميركا وروسيا حول العديد من القضايا مثل كوسوفو والدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا وغيرها.
لقد بدا الروس هذه المرة واضحين في موقفهم حين دحضوا نقطة أساسية من التقرير الاستخباري الأميركي أفادت عن توقف أنشطة نووية عسكرية منذ عام 2003، لينفوا علمهم بوجود أي نشاط عسكري نووي إيراني حتى قبل هذا التاريخ، علماً بأن الأشهر السابقة شهدت مماطلة بين البلدين حول بناء المفاعل، وتسليم الوقود، وذلك على خلفية اتهامات روسية لإيران بالتأخر في دفع المستحقات المالية التي تترتب عليها، الأمر الذي كانت تنفيه طهران المتخوفة من نجاح ضغوط واشنطن على الدب الروسي لعرقلة هذا التعاون. بيد أن بوتين عزا التأخير إلى معدات قديمة مهترئة تحتاج إلى تجديد، ما يشير إلى أن أسباب المماطلة ليست مالية كما يقول الروس.
ثمة قراءة أخرى، يحاول من خلالها الجانب الأميركي تفسير سبب تسليم روسيا وقوداً نووياً لبوشهر. هذه القراءة أتت أمس على لسان الرئيس جورج بوش، الذي رأى أن تسليم روسيا اليورانيوم إلى إيران يعني أنها ليست بحاجة إلى أن تقوم هي نفسها بعملية التخصيب، مكرراً اتهام طهران بأنها تشكل تهديداً للسلام.
غير أن اللافت في المسألة هو أن طهران، لا يمكنها الوثوق بموسكو دائماً؛ فبعد مسيرة طويلة من المماطلة، اكتشفت طهران أن الحل الوحيد هو السعي نحو الاكتفاء الذاتي. موقف كررّه الإيرانيون مراراً، وجدّده أمس رئيس منظمة الطاقة الذرية غلام رضا آغازادة، من خلال رفضه الربط بين قيام روسيا بتسليم طهران وقوداً نووياً واستمرار إيران بعمليات التخصيب.
وذهب المسؤول الإيراني أبعد من ذلك، ليعلن بناء مفاعل نووي آخر « بقوة 360 ميغاوات في دارخوين» في ولاية خوزستان الغربية، مؤكداً في هذا السياق أن «الحصول على الوقود لهذه المحطة ينبغي أن يكون من (محطة التخصيب في) ناتنز».
أما مدير مركز دراسة إيران المعاصرة في موسكو رجب صفاروف، فقد كشف عن أن «القيادة الإيرانية ستعرض على روسيا بناء محطتين أخريين بقدرة 3 آلاف ميغاواط وبكلفة 4 مليارات دولار أميركي تقريباً». لعل هذه المعطيات كافية لتأكيد الطموح النووي الإيراني المكتفي بذاته.