حسام كنفاني
عثرات في قنوات الاتصال بعد أنابوليس تعوق التسوية اللبنانية والحوار الفلسطيني

عاد التأزّم أخيراً إلى سلة الملفات الإقليمية، بعد انفراج جزئي إثر مؤتمر أنابوليس للسلام في الولايات المتحدة، وانعكاساته التي تجاوزت حدود عملية السلام الفلسطينية ــــــ الإسرائيلية، لتصل إلى العراق ولبنان، وحتى الداخل الفلسطيني.
غير أن الانفراج ما لبث أن تحوّل إلى انتكاسة، أنتجتها العثرات في المسارات، التي كان من المفترض أن تعقب مؤتمر أنابوليس، ولا سيما أن هذه الأزمات مرتبطة بما يمكن تسميته «الصدع السوري ــــــ الإيراني ــــــ الأميركي»، وهي تتأثر حصراً بارتدادات أي هزّات إيجابية أو سلبية في مسار العلاقة بين أطرافه.
أكثر من مؤشّر صدر في الأسابيع الماضية يؤكّد أن الأوضاع الفلسطينية والعراقية واللبنانية مطروحة على طاولة مفاوضات كبيرة ممتدة من الولايات المتحدة مروراً بسوريا ووصولاً إلى إيران، وهي بالتالي موكلة حصراً التعاطي مع اتجاهاتها حلاً أو تأزيماً، وأي محاولات إحداث اختراق خارج تفاهم أطراف هذا المحور محكوم عليها مسبقاً بالفشل.
ومن السهل جداً اليوم تمييز التغيرات في اتجاه الأزمات، ولا سيما اللبنانية والفلسطينية، في الأسابيع القليلة التي أعقبت مؤتمر أنابوليس، وما شهده من «كسر للجليد» في العلاقة بين واشنطن ودمشق، بحسب تعبير السفير السوري لدى الولايات المتحدة عماد مصطفى.
والإجراءات في العراق كانت سابقة لمؤتمر أنابوليس، وربما ممهدة للمشاركة السورية فيه، إذ حرص المسؤولون العسكريون الأميركيون في بغداد على الإشادة بعمل قوات الأمن السورية على ضبط الحدود مع العراق. حتى إن دمشق من جهتها نظمت في تشرين الثاني الماضي جولة لعدد من الدبلوماسيين الغربيين والإعلاميين على الحدود، أعلن خلالها قائد حرس الحدود في قطاع التنف الحدودي، العميد محمد خلوف، أن «أي عملية تسلل من الأراضي السورية إلى الأراضي العراقية لم تحدث طوال الفترة الماضية، وأنه تم ضبط أكثر من عملية تهريب للمخدرات والسلاح من الأراضي العراقية باتجاه الأراضي السورية».
هذا الإعلان ترافق مع انخفاض ملحوظ في الهجمات المسلحة وتراجع العدد اليومي للقتلى العراقيين، ردّه مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي إلى «قيام دمشق وطهران بجهود فعلية لتحسين الوضع الأمني»، داعياً إلى إطلاق حوار سوري ــــــ أميركي ــــــ إيراني.
غير أن مثل هذا الحوار لا يبدو أنه سيرى النور، ولا سيما بعد تأجيل اللقاء الأميركي ــــــ الإيراني حول العراق، والحديث عن تقرير جديد للبنتاغون يحمّل طهران مسؤولية هجمات المسلحين، ما قد ينذر بعودة مستوى العنف إلى سابق عهده.
أمّا على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، فكان لقناة الاتصال الأميركية ــــــ السورية تأثير مباشر عليهما. ومع الإعلان عن مشاركة دمشق في «أنابوليس»، تظهّر اسم مرشّح توافقي للرئاسة هو قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وبدأت بوادر الحل تلوح في أفق الأزمة الدستورية مع الحديث عن «سلّة الاتفاق السياسي». غير أن بوادر الانفراج لم تدم طويلاً وعادت الأزمة لتدور في حلقة تأجيلات الانتخابات الرئاسية وتعقيدات «السلّة السياسية»، وما بينهما من سجالات سياسية تنذر بإطالة أمد «الفراغ».
الأمر نفسه كان في السياق الداخلي الفلسطيني، مع تطابق المصادر على قرب استئناف الحوار بين حركتي «فتح» و«حماس» ودخول أكثر من طرف عربي في مساعي الوساطة، في مقدمتهم دمشق، التي سعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدى رئيسها بشار الأسد إلى إقناع «حماس» بالتراجع عن «انقلابها» في غزة. غير أن الأجواء الإيجابية في هذا السياق تبخرت أيضاً، وعاد التوتّر الداخلي بين الحركتين إلى مستويات غير مسبوقة منذ عملية «الحسم العسكري» في قطاع غزة في حزيران الماضي، فيما ارتفعت الشروط والشروط المضادة لأي حوار مرتقب بين طرفي الصراع الداخلي.
والعثرات المستجدة في الملفين ليست في معزل عن عثرات في مسار «المناقشات» الأميركية ـــــ السورية التي تحدّث عنها المستشار الأعلى في وزارة الخارجية الأميركية، دان سريبني، ولا سيما أن النبرة السورية في الحديث عن واشنطن تبدلت عن إعلان «كسر الجليد» و«إزالة التوتّر»، التي قالها عماد مصطفى؛ فقد حرص وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي هوشيار زيباري الأسبوع الماضي، على الإشارة إلى أن «المسؤولين الأميركيين يقولون في الاجتماعات كلاماً مختلفاً عما يصرحون به في الخارج»، وهو ما أرفق بمقاطعة المعلم لمؤتمر باريس للدول المانحة، بعدما كان يجري الحديث عن مشاركته. إشارة المعلم تضاف إلى الاتهام الأول، بعد أنابوليس، الذي وجهه الرئيس الأميركي جورج بوش إلى دمشق «لتدخلها» في لبنان، لتدلّل على أن التوتّر عاد ليخيم على علاقة «الصدع السوري ــــــ الأميركي ـ الإيراني»، ولتنذر بمزيد من الارتدادات الإقليمية.