strong>شهيرة سلوم
شرارتها مطالبات سنويّة بإلغاء المرسوم 56 لتحصين ممارسي التعذيب

تشهد مملكة البحرين منذ أكثر من أسبوع اضطرابات أمنية بعد اشتباكات وقعت بين القوات الأمنية وحركات احتجاج شيعية اعتادت أن تتظاهر في 17 كانون الأول من كل عام للمطالبة، ظاهرياً، بمحاكمة مسؤولين عن انتهاكات لحقوق الإنسان في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وتعويض الضحايا، إلا أن خلفياتها تعود إلى العلاقة بين النخبة الحاكمة والعامة وما تحويه من خلافات طائفية.
خلال الأيام الماضية، صعّدت كل من السلطات وحركات الاحتجاج وتيرة المواجهة؛ فبعد اتهام الأخيرة للقوات الأمنية بقتل شاب في تظاهرة الاثنين في قرية «جدحفص» غربي المنامة إثر تنشقه الغاز المسيل للدموع، ونفي السلطات هذه التهمة بقولها إن الوفاة كانت ناجمة عن هبوط في الدورة الدموية، وفق ما خلصت إليه لجنة طبية ألفتها النيابة، شنت القوات الأمنية حملة اعتقالات وفرضت حظر تجوال في المناطق الشيعية، فيما دأب المحتجون على التظاهر.
بداية المواجهات كانت خلال التظاهرة التي دعت إليها لجنة الشهداء وضحايا التعذيب التي يقودها نشطاء شيعة، وهي اعتادت تنظيم التظاهرة سنوياً. وعادة ما تتطور الأمور إلى الاشتباك في المملكة التي يشكل الشيعة نحو 70 في المئة من عدد سكانها (450 ألفاً)، لكنها تخضع لحكم العائلة المالكة السنية.
ورغم التوتر الحاصل على أثر هذه التظاهرات بين الحكومة والمعارضة الشيعية، إلا أن العلاقة تحسنت كثيراً عما كانت عليه في السابق؛ فقد شهدت البحرين في بداية التسعينيات حالاً من الفوضى والاضطرابات بلغت ذروتها عام 1994 واستمرت حتى أوائل عام 1996، وجهت الحكومة حينها أصابع الاتهام إلى إيران وحركات الاحتجاج الشيعية، واتهمت المنامة رسمياً طهران بالتورّط في تمويل تنظيمات سرية تهدف إلى قلب نظام الحكم.
وقبل ذلك، تخوفت المملكة من تصدير الثورة الإسلامية إليها بعد عام 1979، فشدّدت إجراءاتها القمعية والاعتقالات لحركات الاحتجاج الشيعية.
وفي بداية الثمانينيات، أعلنت البحرين أنّها ألقت القبض على مجموعة أشخاص وصفتهم بالمخرّبين تلقّوا تدريباتهم في إيران، لزعزعة نظام الحكم، وما لبثت في العام نفسه أن أعلنت الكشف عن حزب الله البحريني (حركة معارضة شيعية).
وبرز بعد هذه الفترة تيار ثوري «الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين» أخذ يطالب بإطاحة النظام السنّي، إلى أن دخلت العلاقة بين القوى الشيعية والنظام الحاكم أسوأ مراحلها خلال التسعينيات، حيث وقعت مواجهات أدت إلى احتجاز الحكومة لآلاف المتظاهرين واعتقال قيادات المعارضة.
وشهدت هذه العلاقة تحوّلاًَ جذرياً مع تولي الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الحكم عام 1999، وإطلاق مشروعه الإصلاحي، حيث أفرج عن جميع الموقوفين وسمح للمعارضين في الخارج بالعودة إلى البلاد.
ورغم هذه الإصلاحات، إلا أنه صدر عام 2002 مرسوم رقم 56 منح الحصانة من التحقيق أو المقاضاة لمسؤولي الحكومة الحاليين والسابقين الذين يُزعم أنهم كانوا مسؤولين عن التعذيب أو غيره من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت قبل عام 2001.
وتدّعي المعارضة أنه خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، حيث كانت العلاقة مع السلطة في ذروة التوتر، مارست الحكومة القمع والتعذيب بحق المعتقلين الذين ادّعت أنهم كانوا يحاولون الانقلاب على السلطة. كذلك ترى أن ملف الشهداء وضحايا التعذيب التي تطالب بمعالجته يستهدف كبار ضباط الأمن المتهمين بالتعذيب في الحقبة السابقة، ولا يزالون يستحوذون على مواقع ريادية في الجهاز الأمني.
وقد نظمت لجنة أسر شهداء وضحايا التعذيب مع جمعية حقوق الإنسان البحرينية في نيسان العام الماضي ندوة عن ضرورة المحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة مثل التعذيب، وهو ما أثار حفيظة الحكومة.
والظاهر من المشكلة يكمن في حركة احتجاج شعبية تطالب الحكومة بمسائلة مرتكبي جرائم التعذيب وتعويض الضحايا، لكن جذور الأزمة تعود لغياب الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الذي من المفترض أن يضيق الفجوة الاقتصادية الحاصلة بين النخبة الحاكمة والأغلبية الشيعية، التي تحمل على الحكومة أيضاً لإعطائها حقوق المواطنة للسُّنة من سوريا واليمن والعراق ومقاطعة بلوشستان الباكستانية إضافة إلى تأمين سكنهم ووظائفهم حتى داخل السلك الأمني الذي يشقى هؤلاء للدخول إليه.
ويدّعي المشاركون في التظاهرات الأخيرة أن الانتشار الواسع لهؤلاء الأجانب المجنسين داخل القوات الأمنية هو السبب الرئيسي وراء استخدام العنف ضدّ المتظاهرين.