strong>ربى أبو عمو
تبدو أزمة إقليم كوسوفو أشبه بأحجية، يتطلّب حلّها إدخال كلمة السر التي يتحكم بها الجانبان الأميركي والروسي. ورغم التدافع الأوروبي لمساندة واشنطن في دعمها لاستقلال الإقليم من جانب واحد، يواجه حلفاء الألبان أرقاً من نوعٍ آخر، نتيجة الوجود والنفوذ الإسلامي في منطقة البلقان الواقعة في عمق القارة الأوروبية، الذي يشكّل تهديداً مباشراً لأمنها.
ويشكّل وجود عناصر من «كتيبة المجاهدين» في البوسنة، أساس القلق الأوروبي من التمدّد الإسلامي في البلقان، الذي قد يكون استقلال كوسوفو محفزاً له.
وتأسّست «كتيبة المجاهدين» على يد المهاجرين العرب الذين قصدوا البوسنة عام 1992 من دول مختلفة بهدف مساعدة البوسنيين المسلمين، حيث انضموا بداية إلى صفوف الجيش البوسني الذي قرّر بعد أشهر إنشاء كتيبة تضم المتطوعين العرب، على أن تكون تابعة للجيش البوسني.
وتشير غالبية المواقع الإلكترونية الغربية إلى أن عناصر الكتيبة، الذين يطلق عليهم أيضاً تسمية «المحاربون المقدسون»، ينحدرون من أصول سعودية، لربط الكتيبة بتنظيم «القاعدة»، واعتمادها تنظيمياً ومالياً على الدعم المباشر الذي قدّمه زعيم التنظيم أسامة بن لادن.
وتجلّى هذا الأمر في كون أبو سليمان المكي، «اليد اليمنى» لزعيم «القاعدة»، وهو في الوقت نفسه أحد أبرز المقاتلين في البوسنة. وظهر المكي إلى جانب بن لادن في شريط فيديو بُثّ على شاشات التلفزة في عام 2001، حيث كانا يناقشان اعتداءات الحادي عشر من أيلول.
ولا يمكن تحديد عدد هؤلاء المهاجرين العرب بصورة دقيقة، إلّا أن بعض التقارير تشير إلى أن عددهم بلغ نحو 10000 مقاتل، وقد تحولوا إلى مجرّد مدنيين بعد التوصّل إلى اتفاقية دايتون للسلام، التي انتهى بموجبها الصراع المسلّح الذي دار في البوسنة والهرسك بين عام 1992 و 1995، وحلّت الكتيبة وسلّمت سلاحها.
لكن تحوّلهم إلى مجرّد مدنيين، وبقاؤهم في البوسنة، كان سبباً كافياً لإثارة النقمة الأميركية عليهم، واعتبارهم إرهابيين ارتكبوا جرائم حرب بحق البوسنيين الصرب والكروات. كما رأت واشنطن أن علاقة عناصر الكتيبة المنحلّة بتنظيم «القاعدة»، تنذر بخطر رغبة هؤلاء في إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية المسلمة، وتكريس الدولة الإسلامية في كل من البوسنة والهرسك.
ورغم ذلك، يؤكّد بعض المراقبين دعم واشنطن لهذه الكتيبة إبان حرب البوسنة، إلا أنها ما لبثت أن انقلبت عليها، بعدما تمكنت هذه الكتيبة من السيطرة على زمام الأمور خلال الحرب. وأدركت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أن بقاء عناصر كتيبة المجاهدين في البوسنة، هو خطرٌ لا بد من التخلّص منه.
بداية عمليات «التخلص منهم» كانت عبر عمليات اعتقال لبعض العرب القاطنين في ألمانيا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى، بسبب زواجهم من بوسنيات مسلمات، وهو ما كان كافياً لربطهم بقتال البوسنة وتصنيفهم إرهابيين.
وترافق ذلك مع الضغط الذي تمارسه واشنطن على الحكومة البوسنية لتتعاون في ترحيل المهاجرين العرب، عبر تجريدهم من إقاماتهم، الأمر الذي يتيح ترحيلهم عن البلاد بسهولة باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين.
كما يخضع بعض عناصر كتيبة المجاهدين للمحاكمة في عدد من الدول، ومنها البوسنة، لاتهامهم بـ«التورّط في جرائم حرب». ويقبع اليوم خمسة أشخاص يعرفون بانتمائهم إلى الخلية الجزائرية في سجن غوانتانامو، إذ اتهمتهم واشنطن بممارسة أعمال إرهابية إلى جانب الكتيبة. وترى واشنطن أن التطرّف الإسلامي هو العدو الحقيقي لوجودها والدول الأوروبية الأخرى، لذا وجدت أن الحل الوحيد لتفادي توسّع نفوذها يكمن في السعي مجدداً لإضعافها وتفتيتها.
وهذا النفوذ الإسلامي البوسني، يمتد أيضاً في اقليم كوسوفو، حيث الغالبية الألبانية المسلمة، الأمر الذي يتطلب من دولة العم سام التحضير لاحتواء الانتصار الإسلامي، إذا أصرّت على دعم الاستقلال من جانب واحد، خشية أن يبتلع النفوذ الإسلامي البلقاني في أوروبا، ما بقي من القارة والولايات المتحدة.