strong>طوني صغبيني
قد تكون تايلاند تجاوزت امتحان الانتخابات التشريعية بنجاح أول من أمس، لكنها لا تزال بعيدة عن تحقيق الاستقرار السياسي الموعود. ورغم انتصار حزب قوّة الشعب المكوّن من فئات موالية سابقاً لرئيس الوزراء ثاكسين شيناواتر،ا الذي أطاحه الجيش بانقلاب أبيض في أيلول من العام الماضي، إلا أنه لم يحقق غالبية كافية ليحكم بمفرده. وحصل الحزب الديموقراطي الذي يقوده أبهيسيت فيجاجيفا، المقرب من دوائر الجيش والملكية، على عدد كبير من المقاعد (165 له مقابل 232 لقوة الشعب) يخوّله تنظيم معارضة قوية في وجه رئيس الوزراء المحتمل ساماك سوندرافيج زعيم «قوة الشعب».
يضاف إلى ذلك «عقدة بانكوك»، التي سيواجهها سوندرافيج بقوة، والتي يعبّر عنها المثل التايلاندي الشعبي «الأقاليم تنتخب الحكومات وبانكوك تطيحها». وقد صوّتت الأكثرية الساحقة من سكان العاصمة لمصلحة الحزب الديموقراطي، فيما استفادت «قوة الشعب» من الشعبية التي خلّفها ثاكسين في الأقاليم عبر سياسات دعم المزارعين والمساعدات الاجتماعية.
وفي هذا المشهد ما يشبه تكراراً لأحداث العام الماضي نفسه، حيث دعا ثاكسين إلى انتخابات مبكرة مستفيداً من دعم الأقاليم الكبير له، فيما كانت بانكوك تعمّها المظاهرات العنيفة المندّدة به بعد فضائح تتهمه بالفساد. وتوترت علاقة الجيش مع رئيس الوزراء، حيث اتهمه الأخير بمحاولة اغتياله فيما ردّ الجيش باتهامه بالفساد وتقسيم البلاد وتهديد النظام الملكي.
والإشارة الأولى إلى عودة الاضطرابات برزت فور إعلان النتائج، حيث تبادل الطرفان التهديدات باللجوء إلى الشارع إذا كانت نتيجة البت في الطعون الانتخابية لغير مصلحتها، في ظلّ مخاوف من أن يكون الجيش والمؤسسة الملكية يضغطان على اللجنة الانتخابية لتقليص عدد أعضاء حزب قوة الشعب الفائزين بمقاعد برلمانية.
ورغم تأكيد الجيش نيته عدم التدخل من جديد، والتزامه وعده حتى الآن، إلا أن المحلّلين يُجمعون على أن جميع السيناريوهات لا تزال ممكنة في الدولة التي قاد فيها العسكر 18 انقلاباً خلال العقود السبعة الأخيرة.
ولم تهدّئ فترة الاستقرار السياسي لعام وأربعة أشهر من حكم المجلس العسكري، بل تعمّق الانقسام الداخلي حول مسائل سياسية واقتصادية متعددة. فالنمو الاقتصادي تراجع نحو 4 في المئة، وأضحت نسبة النمو السنوي في تايلاند هي الأدنى بين نظرائها الآسيويين المزدهرين.
وكان المجلس العسكري قد اتخذ عدداً من الإجراءات الاقتصادية المساهمة بذلك كالتدابير الحكومية لمراقبة رؤوس الأموال الأجنبية والحد من مشاركة الأجانب في رساميل بعض المؤسسات، التي أدت إلى تراجع بورصة بانكوك نحو 15 في المئة بعد أشهر معدودة على الانقلاب، وانكماش الاستهلاك والاستثمارات بشكل عام في البلاد.
ومن المتوقع أن يكون تخطي هذه الإجراءات والعودة إلى سياسة ثاكسين الليبرالية محطّ جدل كبير بين الأفرقاء السياسيين، ومن ضمنهم الجيش والملك ونُخَب بانكوك الاقتصادية المستفيدة من القوانين السابقة.
مسألة أخرى قد تكون أشد إثارة للجدل، هي التعديلات الدستورية، إذ كان المجلس العسكري قد استبدل دستور عام 1997 الذي عدّ وقتها إنجازاً ديموقراطياً كبيراً، بدستور آخر فور تسلمه الحكم، رأت المعارضة أنه يعزز سلطة العسكر والموظفين الرفيعي المستوى، على حساب الأحزاب السياسية والمنتخبين. كما أصدر عدداً من القوانين، كان آخرها قانون الأمن الداخلي الذي يوسّع صلاحيات الجيش في حفظ الأمن الداخلي في البلاد.
وبذلك تكون كل العناصر جاهزة لأزمة جديدة: فإذا نجح ساماك في تأليف حكومة ستكون بطبيعة الحال ذات ميل ليبرالي ديموقراطي، فكل خطوة ستقوم بها لإزالة نتائج المرحلة السابقة (ومنها السماح بعودة ثاكسين وإقرار عفو عام عن أعضاء حزبه) قد تقابلها المعارضة المحصنة بدعم العاصمة والجيش والقصر الملكي المحافظ باحتجاجات وتظاهرات قد تكون بدورها مدخلاً لانقلاب عسكري جديد بهدف «إعادة الاستقرار».