حسام كنفاني
«لا ضمانات لأي شيء، فقد تكون هذه السنة هي سنة سلام وقد لا تكون»، هكذا كان استشراف الرئيس الفلسطيني محمود عباس للسنة المقبلة في جانبها السلمي، بعد عام استثنائي بالنسبة إلى مفاوضات السلام الفلسطينية ـــ الإسرائيلية، إذ شهدت حراكاً بعد جمود طويل دام نحو سبع سنوات


لم يكن الحراك التفاوضي معزولاً عن الحال الفلسطينية الداخلية وما تخللها من ائتلاف وخلاف وقتال وانفصال، وخصوصاً أن محاولات استئناف التفاوض كانت تصطدم دائماً بالشروطالإسرائيلية والدولية لـ«مكافحة الإرهاب»، في إشارة إلى حركة «حماس» التي كانت خارجة من نصر انتخابي أهّلها تأليف حكومة لإدارة شؤون السلطة الفلسطينية.
ولم يكن لمفاوضات السلام أي حيّز من الاهتمام في النصف الأول من السنة الجارية، حيث كان الفلسطينيون، ومعهم العرب، مشغولين بمحاولة رأب الصدع الداخلي الذي أحدثه فوز «حماس» الانتخابي، ولا سيما أن ملامح حرب أهلية فلسطينية كانت تلوح في الأفق.
في تلك الأثناء، كانت الحركة الدولية مجمّدة عند الشروط الثلاثة المفروضة على حركة «حماس» للتعامل معها، وهي: «نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل والاعتراف بالاتفاقات الموقّعة مع السلطة الفلسطينية». أمام هذه الشروط، لم يكن هناك إمكان للحديث عن سلام، وحتى المحاولات العربية لربط الاعتراف «الحمساوي» بالحل العادل كانت تصطدم بإعادة تأكيد أميركي على الالتزام برؤية الدولتين فقط.
ومع تأليف حكومة الوحدة الوطنية، في أعقاب اتفاق مكة الذي رعته السعودية لوقف القتال بين «حماس» و«فتح» في آذار الماضي، بدا أن أبواب السلام الأميركي أُغلقت في وجه محمود عباس، وحتى الآلية السابقة في التعاطي مع السلطة الفلسطينية عبر اللجنة الرباعية اقتصرت على تمرير الرسائل لمحاولة الضغط على حركة «حماس».
غير أن حال الوئام لم تدم طويلاً، فما لبثت العلاقة بين «فتح» و«حماس» أن تدهورت إلى مستوى غير مسبوق، أنتج معارك عنيفة بين الطرفين، وأدى إلى «الحسم العسكري» في قطاع غزة، بحسب التعبير «الحمساوي»، و«الانقلاب» بحسب التعبير «الفتحاوي».
«الحسم» أو «الانقلاب» أحدث شرخاً فلسطينياً لا يزال قائماً إلى اليوم، عبر فصل جغرافي وسياسي بين الأراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة، غير أنه كان «مريحاً» لسلطة الرئيس محمود عباس، التي وجدت نفسها متحررة من ثقل «اتفاق مكة» والائتلاف مع حركة «حماس»، وبالتالي العودة إلى مشروع التفاوض السلمي، وهو ما بدأ الأميركيون يمهدون له.
وفي السادس عشر من تموز، أي بعد شهر ونيّف على «الحسم العسكري»، خرج الرئيس الأميركي جورج بوش ليعلن عن مؤتمر دولي للسلام في «الخريف» للوصول إلى السلام في الشرق الأوسط، وهو ما وجد فيه الرئيس الفلسطيني فرصة للخروج من حال الضعف السياسي الداخلي التي أنتجها الصراع مع «حماس».
وبناءً على ذلك، بدأ الفلسطينيون يروّجون للإعداد لاتفاق نهائي يُعرض على المؤتمر، ولا سيما بعدما سلّم الرئيس الأميركي وزيرة خارجيته مسؤولية التحضير للمؤتمر عبر إقناع الإسرائيليين أوّلاً، ومن ثم التحضير لوثيقة مشتركة تعرض على المؤتمر.
العثرات في الطريق إلى المؤتمر، الذي سمّي في ما بعد «مؤتمر أنابوليس»، نسبة إلى المدينة الأميركية التي عُقد فيها، بدأت خلال التحضير للوثيقة التي أرادها الفلسطينيون أن تكون اتفاق إطار يصدَّق في المؤتمر الدولي، على أن يجري التفاوض على التطبيق في وقت لاحق، وهو ما رفضه الإسرائيليون، وأصرّوا على إبقاء الوثيقة في إطار العموميات من دون الدخول في قضايا الوضع النهائي، وهي القدس والحدود واللاجئون والمياه.
وكان للإسرائيليين ما أرادوا، إذ نجحوا في خفض التوقعات بالنسبة إلى الوثيقة المشتركة والمؤتمر، فبدل «اتفاق الإطار»، تحوّل المؤتمر إلى منبر لإطلاق المفاوضات، حتى أنهم نجحوا في إعادة إحياء بنود خريطة الطريق، ولا سيما مرحلتها الأولى في الشق الفلسطيني منها، أي محاربة «الإرهاب»، وهو ما يعني حصراً المقاومة الفلسطينية.
وبالفعل، باشر الرئيس الفلسطيني وسلطته تطبيق ما خصّهما من المرحلة الأولى من خريطة الطريق، على أمل أن يمهّد ذلك للوصول إلى بيان يعرض على المؤتمر الذي عقد في الخامس والعشرين من تشرين الثاني الماضي. إلا أن نقاط الخلاف رافقت الطرفين إلى المؤتمر، إذ أصرّت الدولة العبرية على رفض وضع جدول زمني للمفاوضات وإقامة الدولة الفلسطينية، الأمر الذي هدّد بانتقال الطرفين إلى أنابوليس ببيانين، وهو ما لم ترده الولايات المتحدة.
وشهدت الساعات السابقة لمؤتمر أنابوليس جلسات مكثفة بين بوش وفريقَي التفاوض الفلسطيني والإسرائيلي، إضافة إلى أولمرت وعباس، أثمرت «بيان تفاهم» تلاه الرئيس الأميركي في افتتاح المؤتمر. وجاء البيان خالياً من أي إجراءات صارمة للمضي في عملية التفاوض التي أطلقها المؤتمر، ونصّب الأميركيين حكماً وحيداً لالتزامات الطرفين في تطبيق المرحلة الأولى من خريطة الطريق.
وانفضّ المؤتمر على أمل إطلاق عمليات مفاوضات يكون هدفها الوصول إلى اتفاق سلام في نهاية عام 2008، إلا أن البداية لم تكن مبشِّرة أبداً، ولا سيما أن إسرائيل عمدت إلى تجاهل أي التزامات، وبدأت توسيع مستوطنات القدس المحتلة، ولا سيما «هار حوما» و«معاليه أدوميم»، في محاولة لفرض أمر واقع على الأرض قبل الوصول إلى اتفاق وضع نهائي، لا يزال بعيد المنال.
ومع ذلك، واصل فريق التفاوض الفلسطيني لقاءاته مع الوفد الإسرائيلي، واحتل الاستيطان الأولوية في جولتي التفاوض اللتين عُقدتا إلى اليوم، بدل أن تكونا ممهدتين لاتفاق السلام المنتظر العام المقبل، الذي ترتقب بدايته استحقاق الزيارة الأولى للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط «لدفع عملية السلام». إلا أن ما يتبع ذلك لا يؤشّر إلى أن سلاماً يلوح في أفق العام، ولا سيما أن أياً من المواضيع الشائكة لم يطرح على طاولة التفاوض، وأن إسرائيل تعتمد سياسة تقطيع الوقت حتى نهاية ولاية الرئيس الأميركي وإدارته الجمهورية، التي تنتظر استحقاق الانتخابات الرئاسية، وبالتالي لن تكون في وارد الضغط على إسرائيل وخسارة أصوات اللوبي الصهيوني في الاستحقاق الانتخابي.
أمام هذه الوقائع، على الرئيس الفلسطيني تعويد نفسه على انتظار السلام طويلاً، فمن المؤكّد أنه لن يأتي مع نهاية العام.