حيفا ــ فراس خطيب
الحصاد السياسي للعام المنتهي مثّل مرحلة جديدة، كتبتها علامات فارقة عدائية بمضمونها، ضد فلسطينيي 48، قد يكون عنوانها الأبرز «يهودية الدولة»، التي ارتبطت بالكثير من الإجراءات الإسرائيلية ضد فلسطينيي 48



لم يأت عام 2007 بجديد من حيث المضامين العدائية ضد فلسطينيي 48، لكنَّ جديده يكمن في التوجه الإسرائيلي بكل ما يتعلق بقضاياهم، والذي اتخذ طابع عداء علنياً ومباشراً؛ «الشاباك» رآهم خطراً استراتيجياً، والأفدح كان تعيين أفيغدور ليبرمان، صاحب رؤيا الترانسفير، وزيراً للشؤون الاستراتيجية، بالإضافة إلى ملاحقة رئيس حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» عزمي بشارة، وتحوّل ساحة الكنيست الاسرائيلي إلى مرتع لقوانين تستهدفهم وتحظى بإجماع اليمين واليسار الصهيونيين.
مع بداية العام الماضي، صاغ الفلسطينيون في الداخل مواقف سياسية تطالب بإلغاء يهودية الدولة وإحلال دولة لكل مواطنيها، في مقابل المؤسسة الإسرائيلية، الداعية دوماً إلى الاعتراف بإسرائيل على أنَّها «دولة يهودية ديموقراطية»، معتبرة أن «الدولة اليهودية» حلم صهيوني مقدس، لا يقبل التأويل.
مطالب الفلسطينيين جعلتهم رهينة استهداف مؤسساتي تحوّل من «سياسة مبطنة وموقف غير معلن»، إلى «إشهار علني»، جاء على شاكلة «تصريحات سرية» أدلى بها رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام «الشاباك»، يوفال ديسكين، الذي رأى أنَّ فلسطينيي 48 «تهديد استراتيجي حقيقي لدولة إسرائيل على المدى البعيد».
هذه الرؤيا الاسرائيلية ليست جديدة، بل أزلية، لكنَّها صيغت في عام 2007 أكثر وضوحاً، ليس على يد مؤسسات تشريعية، إنما بواسطة المؤسسة الأمنية، وهو ما مهّد لانفجار قضية عزمي بشارة، التي تندرج، من أولها حتى نهايتها (غير القريبة)، ضمن الملاحقة السياسية؛ فمنذ أن أسّس «التجمع الوطني الديموقراطي»، نادى بشارة بإلغاء يهودية الدولة، مطالباً بـ«دولة لجميع مواطنيها»، وأحيا طرح القومية العربية وتواصل فلسطينيي 48 مع العالم العربي. حاولت السلطات الإسرائيلية بشتى الوسائل قمع هذه الطروحات من خلال تقديمه إلى المحاكم مرات عديدة. لكن عام 2007 سجّل «نقطة حاسمة» بين السلطات وبشارة، تم من خلالها تحويل التهم من «دستورية» إلى «أمنية خطيرة»، يكون «الشاباك» فيها «سيد الموقف». وهذا ما أدركه بشارة منذ البداية حين قال في تصريحات عديدة إنَّ السلطات «غيّرت قواعد اللعبة».
وجهت إلى بشارة تهم أمنية من النوع الثقيل: «مساعدة العدو أثناء الحرب» و«الاتصال بعميل أجنبي» و«منح معلومات للعدو» و«مخالفة قانون منع تمويل الإرهاب». وتضمنت تفاصيل التهم «تقديم مشورات لحزب الله لتعميق الضربات على إسرائيل وإطالة مدى الصواريخ إلى جنوب حيفا، ونقل معلومات معينة وإعطاء معلومات وتقديرات بما يتصل بتغييرات متوقّعة في استعدادات إسرائيل خلال الحرب».
وعلى أثر التهم، استقال بشارة من الكنيست الاسرائيلي ولم يعد إلى إسرائيل، وخصوصاً أن التهم والملف في غاية الخطورة، لأن المحاكم الإسرائيلية تتعامل مع القضايا الأمنية بمعايير مختلفة، ودائماً يبقى «الشاباك» والحجج الأمنية فوق القانون، مثلما اشار سياسيون عرب.
كشفت قضية بشارة عن مدى العنصرية الكامنة في أعضاء الكنيست اليمينيين، وممن يرون أنفسهم أيضاً «وسط الخريطة السياسية»، إذ استقبلوا الاستقالة بحفاوة بالغة مطالبين الأعضاء العرب أيضاً بالسير في «طريق بشارة». هذه الحفاوة لخّصها عضو الكنيست عتنيئيل شنيلر (كديما) بالقول إن «دولة إسرائيل لم تكن تتمنى هدية في عيد ميلادها التاسع والخمسين أفضل من ذلك (استقالة بشارة)».
وسعى اليمين الاسرائيلي، بعد القضية، إلى اقتراح قوانين عدائية ضد فلسطينيي 48، سميت (تسمية غير رسمية) بأنها قوانين بشارة.
العنصرية ضد الفلسطينيين ارتقت إلى حد «الشرعية المطلقة»، وارتقت من التصريحات إلى سياسة تنتهجها المؤسسة أكثر من السابق، وخصوصاً مع انضمام أفيغدور ليبرمان إلى الحكومة الاسرائيلية على رأس وزارة الشؤون الاستراتيجية.
القضية لم تتوقف عند ليبرمان وحزبه، لكنها امتدت إلى «وسط الخريطة السياسية» وإلى مستويات أرفع في الحكومة الاسرائيلية، إذ أشارت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني إلى أن «الدولة الفلسطينية لن تكون حلًّا للفلسطينيين فقط، بل أيضاً للعرب داخل اسرائيل»، وهو ما أثار سخطاً عارماً في أوساط فلسطينيي 48، ولا سيما أن التصريح حمل تلميحاً بإمكان نقلهم إلى «الدولة الفلسطينية».
كذلك سجّل عام 2007 صفحة جديدة، بسياقها السلبي إسرائيلياً، بين المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة والعرب الدروز بعد أحداث قرية البقيعة، التي اقتحمتها قوات مدججة من الشرطة الاسرائيلية وحرس الحدود والوحدات الخاصة لاعتقال شبان بحجة حرقهم هوائية خلوية.
اندلعت مواجهات بين الأهالي والشرطة، جرح إثرها 31 من سكانها و20 شرطياً. خلاصة المواجهات كانت حدثاً، إذ كان واضحا أن الخدمة العسكرية الإلزامية التي يؤديها الدروز ليست كفيلة بمنحهم أي مكانة مميزة، بالنسبة للسلطات، فهم مواطنون من درجة ثانية أو ثالثة. ولم تتوقف أحداث البقيعة عند هذا الحد، بل كشفت صحيفة «هآرتس» سعي جمعيات يهودية للاستيطان في القرية.
وفي هذه الأيام، تجري الشرطة الاسرائيلية وجهاز الأمن العام تحقيقاً مع النائب العربي سعيد نفاع على خلفية زيارته إلى سوريا. لا يزال التحقيق مستمراً، بتهمة الاتصال بـ«عميل أجنبي».
في مقابل الأحداث المذكورة، حاولت وزارة الأمن فرض «الخدمة المدنية» على الشبان الفلسطينيين في الداخل بديلاً عن الخدمة العسكرية. المخطط قائم منذ زمن، لكنَّ مديرية الخدمة المدنية باشرت عملها هذا العام مكثفاً. الا أن الفلسطينيين في الداخل موحدون في رفضهم للمخطط، معتبرينه «طريقاً للخدمة العسكرية» و«تشويهاً لهوية الفلسطينيين» وحدة تكاد أن تكون مطلقة.