القاهرة ــ خالد محمود رمضان
قد لا يندم المصريون وهم يطوون صفحات عام 2007، التي كانت مليئة بالكوارث والأزمات، من ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة، في مقابل انهماك النظام الحاكم بتكريس ملف التوريث وتمهيد الطريق نحو وصول جمال مبارك للسلطة خلفاً لوالده الرئيس حسني مبارك


لم يكن سهلًا على نحو ثمانين مليون مواطن مصري أن يلتقطوا أنفاسهم وهم يلهثون وراء هذه الأحداث، التي لم تستثن الصحافيين، الذين صدرت بحق سبعة منهم أحكام بالحبس على خلفية اتهامات بترويج شائعات غير حقيقية عن مرض مبارك الأب وانتقاد رموز السلطة والحزب الحاكم، في مشهد يدل على أن صدر السلطة بات يضيق بمنا وئيهما.

ملف التوريث

مبارك، الذي كرسه المؤتمر السنوي للحزب رئيساً له رغم تكهنات بأنه قد يتنحّى لمصلحة ابنه، فاجأ المصريين منتصف العام بأنه لن يتخلى عن موقعه «ما دام هناك نفس يتردد وقلب ينبض» وهو تعبير شهير جعل البعض يجزم بأن لا خلافة ولا توريث ما دام الرئيس بصحته وعلى قيد الحياة.
لكن ملف التوريث شهد نقلة نوعية بدخول المؤسسة الدينية، ممثلة بالدكتور محمد سيد طنطاوي، على الخط مرتين: الأولى، بدعوى أن الذين ينتقدون الرئيس ويروجون الشائعات حول وضعه الصحي يستحقون الجلد.
والثانية عندما قال إن التوريث لا يخالف الشريعة الإسلامية، وإنه لا يعارض وصول جمال إلى سدة الرئاسة إذا جاء عبر صناديق الاقتراع.
هذه المواقف، بالإضافة إلى فتاوى مثيرة للجدل وغريبة أطلقها مفتي الديار المصرية علي جمعة بتحليل شرب بول الرسول واعتبار من قضوا نحبهم غرقاً من المهاجرين المتسللين إلى الدول الأوروبية مجرد قتلى وليسوا شهداء، بالإضافة إلى انتقاده موقف منظمات حقوق الإنسان المحلية حيال قضية طفلة لقيت مصرعها أمام عربة شرطة وإفتائه بأنها ليست شهيدة، عمقت شكوك الشارع المصري في تسييس المؤسسة الدينية على نحو لم يعرفه من قبل.
وخلافاً لحالة الاحترام والهيبة التي كانت تحيط عادة بشيوخ الأزهر ورجال المؤسسة الدينية، عرف المصريون طريقهم إلى التندر بجملة المواقف الصادرة عن هؤلاء، وسط دعوات إلى إقالة شيخ الأزهر والمفتي من منصبيهما.

صحّة مبارك ومرضه

وأدّت أنباء عن تعرض الرئيس مبارك لوعكة صحية مفاجئة في النصف الثاني من عام 2007 إلى توتر وقلق في الشارع المصري في ظل غياب آلية محددة لكيفية انتقال السلطة، حيث لا يزال مبارك يرفض تعيين نائب له ويصرّ في المقابل على ارتقاء ابنه داخل الحزب
الحاكم.
واضطر مبارك إلى قطع ما وصف رسمياً بإجازة عمل صيفية لكي يظهر على عجل يوم 29 آب على شاشات التلفزيون الرسمي وهو يتفقد مشروعات محدودة القيمة في مدينة برج العرب القريبة من الإسكندرية.

جمال يواصل صعوده

واستغلّ جمال مبارك المؤتمر السنوي للحزب الحاكم، ليطلق حملة تستهدف زيادة شعبيته ورصيده في الشارع المصري، مستخدماً ورقة البرنامج النووي المصري، الذي عاد والده الرئيس ليعلن في نهاية تشرين الأول أن مصر بصدد إعادة إطلاقه وبناء عدد من المحطات النووية، وإنشاء مجلس أعلى للاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
واستهلّ جمال مبارك العام بإعلان زواجه من خديجة الجمال، ابنة رجل أعمال ومقاول ثري، في حفل مخملي أقيم في منتجع شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر واقتصر حضوره على المقربين فقط، بعيداً عن العامة ووسائل الإعلام.

الحملة على «الإخوان»

وواصلت السلطات الأمنية حملتها على جماعة «الإخوان» المحظورة، التي أطلقت برنامجاً سياسياً غازلت فيه الأقباط وإسرائيل والغرب لكن من دون أن تعلن نيتها التقدم رسمياً بطلب لإشهار حزب، مكتفية بإثارة الجدل حول مغزى البرنامج وفحواه.
كذلك واصلت السلطات اعتقال المئات من المحسوبين على «الإخوان» لكنها لم تمس مقعد المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف، في وقت يخضع فيه للمحاكمة العسكرية 33 عضواً من «الإخوان»، بتهم الإرهاب وغسيل الأموال، بينهم نائب المرشد خيرت الشاطر.
حبس الصحافيين
وصدرت أحكام بالحبس والغرامة المالية بحق رئيس تحرير أسبوعية «صوت الأمة» وائل الأبراشي، ورئيس تحرير يومية «الدستور» إبراهيم عيسي، ورئيس تحرير أسبوعية «الكرامة» عبد الحليم قنديل، ورئيس تحرير أسبوعية «الفجر» عادل حمودة، على خلفية الجدل الخاص بصحة الرئيس.
وأثارت هذه الأحكام مخاوف حقيقية من تعرض الصحافيين لمذبحة جديدة على الرغم من تمسك مبارك بوعده الرئاسي بعدم حبس الصحافيين في قضايا النشر.
وادّعت الأجهزة الأمنية أن النشر أسهم في الإضرار بالأوضاع الاقتصادية، واضطراب سوق الأوراق المالية، وإثارة البلبلة على نحو أدى إلى سحب مبلغ 350 مليون دولار أميركي خلال أقل من يومين من المصارف المصرية.
في المقابل، انتخب الصحافيون في تشرين الثاني مكرم محمد أحمد، نقيباً على الرغم من دخوله الانتخابات تحت عباءة الحكومة، في خطوة عُدّت نصف انتصار بعدما نجحت المعارضة في الحصول على نصف عدد مقاعد مجلس النقابة.

تصاعد الاحتجاجات

وشهد العام الذي يوشك نجمه على الأفول تصاعد حدة الاحتجاجات العمالية بشكل غير مسبوق في مصر، في ظل تدنّي الأجور والرواتب، مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في البلاد، وقد شملت هذه الاحتجاجات كافة الشرائح العمالية. ويرى مراقبون أن هذه السلسلة من التظاهرات التي اندلعت في مصر، وخاصة العمالية منها، قد رسخت الحق في التظاهر في بلد اعتادت فيه الدولة تقييد الحريات، معتبرين أن هذه الاحتجاجات أسهمت في انهيار حاجز الخوف لدى المواطن المصري الذي يعيش تحت حالة الطوارئ المستمرة منذ قرابة ربع قرن.

أزمة القضاة وكليبات التعذيب

وتسبب مشروع قانون «مجلس الهيئات القضائية»، الذي أعدّته وزارة العدل المصرية، في ثورة غضب عارمة بين جموع القضاة ومجالسهم العليا، وفتح الطريق أمام صدام جديد بينهم وبين السلطة، إلى أن رفضت الهيئة القضائية العليا لمجلس الدولة مشروع القرار، لمخالفته الدستور، وتعارضه مع قانون المجلس، وإهداره استقلال القضاء.
كذلك شهد المصريون انفجار المزيد من قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، التي استخدمت فيها التكنولوجيا الحديثة وكاميرات الهواتف النقالة في نقل وقائع مروعة من داخل أقسام الشرطة على الرغم من وجود قرار رسمي بمنع استعمال هذه الهواتف في تلك المقار.