مي الصايغ
على وقع الموسيقى والألعاب النارية تودّع أفغانستان عام 2007، الذي وصف بالأكثر دموية منذ الغزو الأميركي عام 2001، وتستقبل عام 2008 في ظلّ تحديات عديدة تفرض نفسها على الساحة الافغانية، بدءاً من عودة «طالبان» إلى ضعف سيطرة الحكومة المركزية وصولاً إلى عدم أهلية القوات الافغانية لتولّي المسؤوليات الأمنية، فضلاً عن الحرب الباردة التي تكتنف علاقة الرئيس الافغاني حميد قرضاي وأمراء الحرب الذين يسيطرون على البرلمان. لعل عودة «طالبان» بقوة إلى المسرح الافغاني واتساع نطاق عملياتها من الشرق والجنوب إلى الشمال، إلى حد اختراق العاصمة كابول، أبرز سمات العام، بعما غيرت الحركة استراتيجيتها وانتقلت من مرحلة حرب العصابات إلى المواجهة المباشرة مع القوات الحكومية وقوات الاحتلال، وتبنّي تكتيكات جديدة، بينها العبوات والاغتيالات والعمليات الانتحارية واختطاف الرهائن.
ومع سيطرة «طالبان» على 54 في المئة من الأراضي الأفغانية، برزت مخاوف من تقسيم البلاد إلى دولتين. وعاد الحديث يتركز على فتح قنوات اتصال مع هذه الحركة، حيث توجه قرضاي بالإعلان عن استعداده لمخاطبة زعيم «طالبان» الملا محمد عمر، وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، لكنه تذرع بفقدانه عنوانيهما ليتواصل معهما. هذه المبادرة تلقفها رئيس الوزاء البريطاني غوردون براون، الذي عرض على «طالبان» دوراً سياسياً في مقابل إلقاء السلاح.
وأمام تحذيرات القوات البريطانية من «خسارة ميدانية» محتملة في أفغانستان، وصرخات الولايات المتحدة إلى حلفائها لرصد مزيد من الموارد لإنجاح مهمتها، صمّت الدول الاوروبية المشارِكة في «إيساف» آذانها عن هذه المطالب، وحصرت نطاق مشاركتها في الولايات الأقل اضطراباً، تاركة الساحة الجنوبية لحلفاء واشنطن في عملية «الحرية الدائمة».
وغداة إعلان كندا نيتها سحب جنودها بنهاية 2009، لم يخفِ الرئيس الأميركي جورج بوش قلقه من احتمال «تخلّي الحلفاء» عن مهامهم.
ولا يخفي قادة «الأطلسي»، السياسيون منهم والعسكريون، أن أفغانستان باتت تمثّل تحدياً رئيساً للحلف، إذ إنها العملية الأولى خارج نطاقه الجغرافي.
أما الخيار الآخر للقوات الأجنبية، والذي يجنبها المزيد من الخسائر في الأرواح، فهو تأهيل الجيش الأفغاني الجديد. لكن ذلك يبدو متعذراً بعدما أعلنت وزارة الدفاع الافغانية أنها بحاجة إلى زيادة عدد الجنود الأفغان بأربعة أضعاف ما هو عليه لتتمكن من السيطرة على الوضع داخل البلاد.
السيناريوهات المتوقعة للخروج من النفق المظلم لم تتبلور بعد، إلا أن المحللين السياسيين يذهبون إلى إمكان وضع أفغانستان تحت رعاية أممية إذا أخفقت الحكومة الحالية في تحقيق اختراق أمني أو سياسي يفضي إلى حوار مع «طالبان» والحزب الإسلامي.
وتنحصر التقديرات المحلية لما قد يفضي إليه أي حوار في منح «طالبان» حكماً ذاتياً في المناطق التي تسيطر عليها في مقابل إلقاء السلاح أو مشاركتها في السلطة، وذلك عبر ضغط من باكستان، المتهمة أصلاً بدعم الحركة. لكن عقدة خروج القوات الأجنبية ستبقى عائقاً أمام هذه السيناريوهات ولا يبقى في ظل استمرار الوضع على حاله سوى مواجهة الفوضى.