strong>شهيرة سلّوم
ليس من المبالغ فيه القول إن عام 2007 مثّل منعطفاً أساسياً في تاريخ باكستان الحديث، وخصوصاً القنبلة التي فُجّرت في الأيام الأخيرة منه، باغتيال بنازير بوتو، والتي أتت بعد تراكمات وتحولات شهدها العام المنتهي في ثلاث محطات رئيسية تمثّلت في انتفاضة رجال القانون والحملة ضد المسجد الأحمر وعودة المنفيين

في أجواء سياسية وأمنية مشحونة، قُتلت بنازير بوتو تاركة بصماتها في كل محطة من أحداث عام 2007. اغتيال أشبه بزلزال وصلت ارتداداته إلى واشنطن، ويُرجّح أن يدفع بها إلى إعادة ترتيب أولوياتها، والعودة إلى محاربة «عدوها الأول»، تنظيم «القاعدة»، بعد سنوات شُغلت في خلالها بأزمات أخرى، أبرزها غزوها واحتلالها للعراق.
زلزال وقع في نهاية عام شهد عدداً من الانتفاضات ضدّ الرئيس الباكستاني برويز مشرف وحكمه العسكري. المحطة الأولى كانت في 9 آذار، عندما علّق مشرف مهمات رئيس المحكمة العليا القاضي افتخار محمد تشودري، الذي اتُهم باستغلال السلطة، فتحوّل إلى أحد أبطال المعارضة، مع انطلاقة «انتفاضة المعاطف السوداء»، حيث بدأ آلاف المحامين يطلقون تظاهرات شبه يومية في سائر أنحاء البلاد احتجاجاً.

انتفاضة المعاطف السوداء

ماذا فعل افتكار تشودري؟ لقد دخل المنطقة الحمراء أو المحرّمة لدى مشرّف، ألا وهي المطالبة بالكشف عن المفقودين المتهمين بقضايا إرهابية (يرجّح أن يكونوا في سجون أميركية)، وفتح ملف الخصخصة والتلميح إلى إمكان بحث مسألة الوضع الدستوري لمشرف في ما يتعلق بزيه العسكري.
تدخلت المحكمة العليا في 20 تموز لمصلحة تشودري، الذي أعادت تثبيته في موقعه. عندئذ، بدا واضحاً لمشرف أن رئيس القضاة لن يهنأ له بال إلا بعد أن يُسقطه. لذلك، بعد إعلانه حال الطوارئ في 3 تشرين الأول، أعاد مشرف إبعاد تشودري ووضعه قيد الإقامة الجبرية. وحتى بعد رفع الطوارئ وإطلاق سراح المعارضين، بقي تشودري ومهندس حملته الاحتجاجية إحسان اعزاز قيد الاعتقال. اعتقال مثّل حجة لرجال القانون للإبقاء على انتفاضتهم، التي حددوا عناوينها بإطلاق «رئيسها» و«رجالها» وبإعادة الديموقراطية. عناوين أعلنت بعض أحزاب المعارضة دعمها لها، ومقاطعتها للانتخابات احتجاجاً على عدم تحقّقها. وإن لم تستطع هذه القوة أن تصل إلى البرلمان في العام المقبل، فحتماً ستبقى قوة ضاغطة وفاعلة في الشارع الباكستاني وسيكون على مشرّف مواجهتها.

معركة المسجد الأحمر

المحطة الثانية من عام الانتفاضات، انطلقت يوم قرّر الجنرال محاصرة المسجد الأحمر في إسلام آباد، ثمّ مهاجمته حيث تحصّن طلبة الشريعة الإسلامية. دارت معركة، لمدة عشرة أيام، بين الطلبة والقوات الباكستانية، أسفرت عن سقوط مئات القتلى في صفوف الجانبين، بينهم شقيق زعيم المسجد عبد العزيز غازي، عبد الرشيد. وبعد حسم المعركة لمصلحة الجيش الباكستاني، توعّد زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن ورجله الثاني أيمن الظواهري «الكافر مشرّف»، لتدخل بعدها البلاد في دوامة من الهجمات الانتحارية.
معركة جاءت في وقت كانت فيه الضغوط الأميركية تشتد لدفع مشرف إلى محاربة الإسلاميين المتمركزين على الحدود الباكستانية الأفغانية، وخاصة في منطقة القبائل، التي يُعتقد أنها تؤوي أعداداً كبيرة من قادة «القاعدة» وحركة «طالبان».
ضغوط بلغت حدّ اتهام الجنرال الباكستاني بالسماح للمتمردين بإعادة تنظيم صفوفهم عبر اتفاقية السلام التي وقّعها معهم عام 2006، بإساءة استخدام عشرة مليارات دولار دفعت له كمساعدات من أجل محاربة الإسلاميين.
على الأثر، أرسلت السلطات آلاف الجنود إلى المنطقة الشمالية الغربية المحاذية لأفغانستان، حيث اندلعت معارك، تلتها سلسلة من التفجيرات لم تسلم منها حتى العاصمة إسلام أباد.

عودة المنفيين

كلها أحداث أدت إلى انخفاض شعبية الرئيس الباكستاني، وترنّح حكمه، ما أثار قلق واشنطن في شأن سلامة ترسانة الأسلحة النووية والباكستانية ومخاوف من وقوعها بيد الإسلاميين. عندها ارتأى الحليف الأميركي، على ما يبدو، توفير الدعم الشعبي لمشرف عبر اتفاق تقاسم سلطة توصّل إليه مع المعارضة الليبرالية، بزعامة بنازير بوتو، التي عادت إلى البلاد في 18 تشرين الأول، بعد ثماني سنوات قضتها في المنفى.
عودة أثارت حفيظة العسكر والإسلاميين معاً. واتفاق تقاسم سلطة سقط مع فرض مشرف حال الطوارئ في البلاد في الثالث من تشرين الثاني، بعد انتخابات رئاسية مثيرة للجدل، حقّق في خلالها فوزاً ساحقاً، لكن نتائجها بقيت معلقة بانتظار حسم معضلة دستورية في شان أهليته للترشح إلى هذا المنصب. «حال الطوارئ» تلك لم تُرفع إلا عندما أمّن على منصبه كرئيس للدولة؛ عندئذ خلع الزي العسكري وسلّم قيادة الجيش لحليفه، المرضي عنه أميركياً، أشفاق كياني.
كذلك، عاد نواز شريف في 25 تشرين الثاني بعد محاولة سابقة في 10 أيلول أسفرت عن إعادة نفيه إلى السعودية. لم ينجح شريف في إقناع بوتو بمقاطعة الانتخابات، كما فشل في الترشّح بعدما رفضت اللجنة أوراق ترشيحه مع أخيه شهباز لكونهما ملاحقين بقضايا فساد. لكنه استمر في حملته الانتخابية التي ما فتئ يذكّر خلالها بإنجازه إبان كان في الحكومة، وهو معارضة واشنطن، فيما مشرف هو «الولد المطيع لسيد البيت الأبيض».

نهاية دامية

كانت باكستان تستعد لانتخابات تشريعية في الثامن من الشهر المقبل، عندما اهتزت على وقع زلزال اغتيال بوتو، التي ما فتئت تتوعد، منذ عودتها، العسكر والإسلاميين معاً. زلزال أعاد خلط الأوراق، ووضع الانتخابات المرتقبة في المهب. تبقى معرفة ما ستكون عليه ارتداداته في العام المقبل، وكيف سيعيد تكوين المشهد السياسي الباكستاني.