غزة ــ رائد لافيالقاهرة ــ خالد محمود رمضان

لم يكد حبر اتفاق وقف إطلاق النار بين حركتي “حماس” و“فتح” يجف، حتى تجددت الاشتباكات الداخلية بين الطرفين، وامتدت الاتهامات إلى أطراف إقليمية، ما يؤشر إلى تعقيد الأزمة، وصعوبة وصول الأطراف المتنازعة إلى حل سلمي

عاد رصاص الاقتتال الفلسطيني ليتردد بقوة في أرجاء قطاع غزة، بعد أقل من 72 ساعة على اتفاق حركتي “حماس” و“فتح” على وقف إطلاق النار، فسقط 6 قتلى وأكثر من 70 جريحاً في اشتباكات اندلعت بعدما أوقفت عناصر من القوة التنفيذية، التابعة لوزارة الداخلية، شاحنات، تقول “حماس” إنها تنقل أسلحة من مصر إلى حرس الرئاسة الفلسطينية، التي نفت، ومعها القاهرة، هذه التهمة، وأشارتا إلى أن الشاحنات كانت تنقل مواد غذائية وطبية.
وقالت مصادر فلسطينية مطّلعة إن مسلحين من حركة “حماس” هاجموا قافلة تابعة لحرس الرئيس محمود عباس، تضم حاويات يعتقد أن بداخلها أسلحة عربية تم إدخالها إلى القطاع عبر الأراضي المصرية، لدعم أجهزة الأمن الموالية لأبو مازن ولحركة “فتح”.
وبحسب المصادر نفسها، فإن اشتباكات عنيفة دارت بين الجانبين، أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص هم: عرفات المشلح (22 عاماً)، مراد ابراهيم الطلاع (42 عاماً)، اكرامي أحمد غنيم (23 عاماً)، المقدم محمد خطاب (40 عاماً) وأسامة الشمالي، والقتلى الخمسة من الأمن الوطني والاستخبارات المقرّبة من الرئاسة وحركة “فتح”. وقتل احد اعضاء القوة التنفيذية كما أصيب أكثر من 70 شخصاً في الاشتباكات، التي اندلعت في شمال ووسط قطاع غزة، فيما نجح المهاجمون بالاستيلاء على إحدى شاحنات القافلة.
وكانت “حماس” قد اتهمت دولة عربية لم تسمّها صراحة، بإرسال شحنة من الأسلحة إلى القطاع عبر معبر كرم سالم على الحدود بين مصر وإسرائيل، لمصلحة أمن الرئاسة ومن وصفتهم بـ“الانقلابيين” في حركة “فتح”، معتبرة أن هدف هذا السلاح هو الانقلاب على الحكومة.
وقال المتحدث باسم حركة “حماس”، اسماعيل رضوان، إن “شحنة كبيرة من الأسلحة دخلت أول من أمس إلى السلطة وهي موجهة الى أمن الرئاسة وما يسمى بالانقلابيين، ودخلت عبر معبر كرم سالم وتحوي سيارات جيب عسكرية وقذائف، وقد أرسلت من دولة عربية لا نريد الإفصاح عنها”.
وعبّر رضوان عن قلق “حماس” من هذا الأمر، الذي “يأتي في سياق تأجيج الوضع في الساحة الفلسطينية وبنية الانقلاب على الشرعية، وهذا ما أعلنته الولايات المتحدة”، مشيراً إلى أن “هذه الأسلحة ليست للدفاع عن أبناء شعبنا، بل هي لتقوية طرف على طرف آخر، وبهدف إشعال الفتنة”.
وقالت “حماس”، في بيان، إن “شحنة أسلحة من دولة عربية تصل إلى المفسدين في الأرض، في الوقت الذي نسعى فيه لتطويق الأحداث الداخلية”. وأضاف “إننا إذ ننظر بخطورة بالغة إلى هذا العمل، فإننا نطالب الدول العربية برفع الحصار عن شعبنا، وإرسال الأموال بدلاً من الأسلحة التي ستؤجج الصراع وتزيد شعبنا إرهاقاً”.
وفي المقابل، نفت “فتح”، على لسان المتحدث باسمها عبد الحكيم عوض، هذه المعلومات ووصفتها بأنها “كاذبة”. وقال عوض إن “هذه الاتهامات تهدف إلى صب الزيت على النار وتتعارض مع المصالح الوطنية وجهود الوحدة”، مشدداً على أنه “لم تصل أي أسلحة لفتح أو للرئاسة. وللأسف، يبدو أن الإخوة في حماس يعالجون الأمور وكأنها دعاية انتخابية”.
ونفى متحدث باسم الرئاسة، هذه الادّعاءات، مؤكداً على أن سيارات الحرس الرئاسي كانت تحمل مواد وآلات لغرض المبيت، إضافة إلى مواد غذائية. وحمّل المتحدث حركة «حماس» مسؤولية هذا “العمل المشين الذي يتسم بالقرصنة”، مشيراً إلى أنه “يشكل انتهاكاً للاتفاق بين حركتي فتح وحماس، والذي رعاه الأشقاء المصريون”.
وقالت “فتح”، في بيان، إن “الخطورة بلغت مداها الذي لا يحتمل، عندما يقوم عناصر التيار الدموي المجرم من كتائب القسام وتنفيذية سعيد صيام (وزير الداخلية) بنصب كمين مسلح لسيارات عسكرية مارة في شارع صلاح الدين، وتهاجم بالقذائف الصاروخية سيارات وشاحنة تحمل مواد صحية وغذائية وتستولي عليها تحت مبرر أنها محملة بالأسلحة”.
كما نفى رئيس الوفد الأمني المصري المقيم في القطاع، اللواء برهان جمال حماد، بشكل قاطع أن تكون مصر قد أدخلت أو سمحت بإدخال شحنات أسلحة أو عتاد حربي أو ذخائر إلى أحد طرفي الصراع الدائر حالياً في غزة.
ووصف حماد هذا الكلام بأنه “كاذب جملة وتفصيلاً”، متهماً في الوقت نفسه من يردّده بأنه “يرغب في توتير الساحة الداخلية الفلسطينية، ودفع فتح وحماس إلى الدخول في سباق تسلح حتى تتفجّر أعمال العنف مرة أخرى، وهو شيء لن يستفيد منه أي طرف فلسطيني”.
وشدد حماد على أن الشحنات التي دخلت إلى الأراضي الفلسطينية عبر الأراضي المصرية كانت “عبارة عن قوافل من المساعدات والأغذية آتية من مصر وبعض الدول كمنح غذائية وطبية، وليست كسلاح وعتاد كما يروّج محترفو الوقيعة بين أبناء الشعب الفلسطيني؛ فكل قطرة دم فلسطينية عزيزة على مصر قيادة وشعباً”.
وأشار حمّاد إلى أن “أي سلاح مصري وصل إلى الأراضي الفلسطينية كان قبل فوز حركة حماس في الانتخابات وفي إطار الالتزام الثابت والتاريخي بدعم السلطة الوطنية الفلسطينية لمصلحة الشعب الفلسطيني ككل وليس هذا الطرف أو ذاك”.
وفي السياق، أصيب أحد أفراد القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية بجروح، جراء إطلاق النار عليه من مسلحين كانوا يستقلون سيارة رباعية الدفع وسط القطاع.
واتهمت “حماس” عناصر من جهاز المخابرات الموالي لعباس بإطلاق النار بكثافة في اتجاه مجموعات تابعة للقوة التنفيذية، كانت تقوم بعملية تبديل الدورية قبل أن تلوذ بالفرار.
وكان المتحدث الرسمي باسم حركة “حماس”، فوزي برهوم، ومرافقوه قد تعرضوا لهجوم من مسلحين، يعتقد أنهم من حركة “فتح” في المنطقة نفسها.
وأحرق مسلحون مجهولون سيارة تعود لوائل السيقلي، أحد أعضاء القوة التنفيذية، خلال وجودها بالقرب من أحد مواقع الأمن الفلسطيني في مدينة خان يونس جنوب القطاع.
وفي بيان، لم يتسنّ التأكد من صحته، هددت حركة “فتح” وكتائب شهداء الأقصى والأجهزة الأمنية والعسكرية، قيادات ووزراء في الحكومة الفلسطينية بـ“القتل والاستهداف”. وقال البيان إن “كل عصابات وأفراد حماس وكتائب الشهيد عز الدين القسام والميليشيات السوداء (أي القوة التنفيذية) هم أهداف مشروعة لبنادقنا، وسنقتصّ منهم”.