موسكو ــ حبيب فوعاني
موسكو والحال الوطنيّة والرؤية الكونيّة. عنوان يبرز كلّ عام، عاكساً وقائع المؤتمر الصحافي السنوي الذي يعقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي حقّق أمس رقماّ قياسيّّاً من حيث الحضور (1232 صحافياً روسيا وأجنبياً) منذ تأسيس التقليد عام 2001.
لكن أهم ما فيه أنه شهد رفع المخمل عن توجّهات الرجل الفولاذي في حلبة الصراعات الدوليّة، المتعلّقة بالأمن القومي، في إطار النزاع المبطّن مع الولايات المتحدة، وانعطافات الحلول في الشرق الأوسط، وتحديداً إيران، وتسويات ملفّ الطاقة، الذي لا يفتأ يطرح نفسه عنصر القوّة في أوراق العملاق الشرق ـــ أوروبي، إضافةً إلى مقاربة داخليّة تعد بانتخابات رئاسيّة شفّافة عام 2008، على أسس الخلاص من مرحلة «القضاء على الفوضى» السوفياتيّة وما بعدها، والانطلاق في مسيرة تنمويّة وليبراليّة «ديموقراطيّة».
وحذّر بوتين، خلال المؤتمر، من أنّ موسكو تنوي توجيه “ردود فعّالة” على النشر المحتمل لعناصر من “نظام الدرع” الأميركية المضادة للصواريخ، في أوروبا الشرقية. وقال «ينبغي لنا التفكير في طريقة ضمان أمننا. إنّ ردودنا ستكون غير متناسقة بل فعّالة للغاية”. وتابع «نملك أنظمة قادرة على تجاوز الدفاع المضاد للصواريخ. والصاروخ الجديد توبول ـــ ام مجهّز بمثل هذه الأنظمة”.
وفيما يمثّل “ردّاً” روسياً على الحملة “الدعائيّة الحربيّة” الأميركيّة، رأى بوتين أنّ «الذرائع القائمة على حجّة أنّ نشر تلك الأنظمة يهدف إلى تفادي التهديد الآتي من إيران أو الإرهابيين، لا أساس لها، ولهذا الأمر علاقة مباشرة بنا». وأضاف «سيكون لدينا أنظمة صاروخيّة من الجيل الجديد، لن يكون للأنظمة المضادّة، التي تطوّرها واشنطن حاليّاً، أيّ تأثير عليها»، موضحاً أنّ المسألة تتعلّق بـ«أنظمة استراتيجية تفوق سرعة الصوت وقادرة على تغيير مسارها»، في إشارة إلى أسلحة كان قد تحدّث عنها عام 2004 «قادرة على ضرب أهداف قارّية، بدقّة متناهية، ولا تملكها في الوقت الراهن أي دولة في العالم».
وندّد الرئيس الروسي بالعقوبات الأميركية المفروضة على شركات الأسلحة الروسية، متّهماً واشنطن بـ«التنافس غير الشريف». وقال «حصلنا على حصّة كبيرة من سوق الأسلحة، ونعتزم زيادة جهودنا في هذا الاتجاه».
وفي سياق الاتهامات الغربيّة في شأن العلاقة بين الطاقة الروسيّة والضغط على البلدان الملحقة، أشار بوتين إلى أنّ بلاده لا تستخدم نفوذها الاقتصادي المتنامي لأغراض سياسية، وإنما “ما نفعله (في مجال الطاقة) موجّه في المقام الأوّل لإرضاء زبائننا الرئيسيين”.
وفي خضمّ النقاشات الحادّة في شأن «أمن الطاقة» الدولي، أشاد بوتين بفكرة إقامة تجمّع للدول المنتجة للغاز، معتبراً أنها مثيرة للاهتمام إذا ابتعدت عن صيغة منظّمة الدول المصدرة للنفط «أوبك». وقال “إنّنا في المقام الأوّل نتفق مع المتخصّصين الإيرانيين والشركاء في بعض الدول الأخرى التي هي من منتجي الغاز الكبار. وسنواصل تنسيق أنشطتنا، وفي ذهننا الهدف الرئيسي المتمثل في خدمة أمن الطاقة لزبائننا”.
وعلى صعيد الأزمة النوويّة الإيرانيّة، دعا بوتين إلى “العمل بنشاط” على اقتراح المدير العام للمنظمة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، القاضي بتعليق متزامن لبرنامج طهران النووي وعقوبات مجلس الأمن ضدها، معلّقاً على زيارة سكرتير الأمن القومي الروسي إيغور إيفانوف إلى طهران الثلاثاء الماضي بالقول «نأمل أن تساعد الزيارة في إيضاح مواقفنا وإقناع شركائنا الإيرانيين باتخاذ قرارات من شأنها تحسين الموقف بطريقة جيّدة، وإزالة كلّ الشكوك التي تعتري المجتمع الدولي حيال خطط إيران المزعومة لصنع أسلحة نووية».
وتطرّق بوتين إلى رحلته المتوقّعة إلى الرياض وقطر والأردن، مشيراً إلى أنّ الاهتمام الروسي بالمنطقة كان دائماً كبيراً، ومشدّداً على أنّ مواقف بعض دول المنطقة متقاربة أو متطابقة مع الموقف الروسي بالنسبة إلى المشكلات الدولية الحادة والكبرى. ورأى أنّه آن الأوان، بعد زيارته إلى إسرائيل وفلسطين، لتكثيف الاتصالات مع دول الخليج، ما يعدّ إسهاماً إيجابيّاً في عمليّة التسوية.
وعلى صعيد معضلة الانتخابات الرئاسيّة المقبلة ومدى الشفافيّة الرسميّة، أعلن بوتين، الذي تُظهر استطلاعات الرأي تمتّعه بشعبيّة كبيرة، أنّ الرئيس المقبل لن يكون “خليفة” له، بل سيتمّ اختياره عبر انتخابات ديموقراطية، موضحاً أنّه سيعبّر فقط عمّن يفضّله خلال الحملة الانتخابية.