باريس ـــ بسّام الطيارة
يحتار المتابع في تصنيف ما بات يسمى بـ“قنبلة شيراك الإيرانية”. هل هي هفوة مقصودة أم إنها مناورة لفرض معطيات ثابتة لمن يخلفه في قيادة الدبلوماسية الفرنسية، اذ بات من المؤكد أن ما قاله الرئيس الفرنسي لثلاث صحف (مجلة “لو نوفيل اوبسرفاتور” الفرنسية وصحيفتا “نيويورك تايمز” و“انترناشونال هيرالد تريبيون” الأميركيتان) الاثنين الماضي عن ان القنبلة النووية الإيرانية “ليست خطرة” ليس زلة لسان.
فمهما حاول فريق وزير الداخلية نيكولا ساركوزي التلميح إلى أن “الرئيس لم يعد قادراً على الإمساك بملفاته”، فإن جاك شيراك لا يزال بعيداً جداً عن “الخرف السياسي”، وهو لا يزال قادراً على القيام بمناورات بعيدة عن تفكير “المسيئين اليه”، ومنها ما يمكن أن تخطر على بال “القادمين الجدد إلى حلبة السياسة”.
من الصعب جداً ألا يكون هناك دافع كامن لدى الرئيس الفرنسي لما يريد البعض تسميته بـ “غلطة شيراك”، إذ تشير كل الدلائل إلى أن الرئيس الذي كان “مهووساً” بالملف اللبناني، بات فريسة هواجس الملف الإيراني، وأنه مقتنع تماماً بأن الرئيس الأميركي جورج بوش على قاب قوسين أو أدنى من “إطلاق العداد التراجعي وصولاً إلى ضرب إيران”. وانطلاقاً من هذا، فإن الذين خبروا شيراك يعرفون أنه “ليس من النوع الذي يترك الأمور تأخذ مجراها”.
ويحاول الإعلام المرتبط بالإليزيه وبعض مصادر الخارجية الفرنسية التشديد على أن شيراك كان يعتبر حديثه المتعلق بالقنبلة غير قابل للنشر على أساس أن المتحدث الرسمي باسم القصر، جيروم بونافون، الذي حضر المقابلة ومعه المتحدث الرسمي المساعد هوغ موري، لم يكف عن الترديد “هذا غير قابل للنشر”. إلا أن الصحافيين الثلاثة لاحظوا أن أحداً لم يطلب منهم “إقفال آلات التسجيل”.
ويفسر المقربون من خط ساركوزي ما حصل بأن شيراك “وقع في فخ الأسئلة، لأن الصحافيين الذين واجهوه كانوا من الخبراء في الملف الإيراني”. إلا أن هؤلاء الصحافيين الذين أعيد استدعاؤهم في اليوم التالي، “خرجوا وفي جعبتهم شبه تأكيد لما قاله الرئيس في اليوم السابق من الناحية الإعلامية التواصلية”.
فإذا أخذنا التهديد “بمحو طهران” مثلاً، فإن شيراك لم ينف ما قاله، بل “أوضح مقصده”، مشيراً إلى أن ما قاله كان “مزحة”، إلا أنه استدرك قائلاً “حسناً.. لا أتصور أننا نستطيع أن نمحو طهران. لكن إذا حصل عمل عدواني لا جدال فيه، أي إرسال قنبلة بواسطة صاروخ، فمن المؤكد أن تكون هناك ردات فعل عقابية”.
ومن المؤكد أن شيراك قد وصل إلى مراميه “التواصلية”، إذ إن تعليقات خصومه السياسيين والإعلاميين وردات الفعل من داخل فرنسا أو خارجها ركزت وبنت انتقاداتها على “أن شيراك جعل من اقتناء إيران لقنبلة أو قنبلتين شيئاً عادياً”، مهملة الشق الأساسي من حديثه في شأن إحراق العاصمة الإيرانية.
ويقول دبلوماسي أوروبي “إن شيراك، بعدما أرسل رسائله مباشرة إلى طهران وواشنطن والرياض والقاهرة” يستطيع عبر هذه المناورة “تكذيب ما يريد وإعادة تأكيد ما يريد أو لا يريد”. المهم، بحسب هذا الديبلوماسي، أن “رسالة التنبيه قد وصلت”.
وفي السياق (ا ف ب)، رأت وزارة الخارجية الإيرانية أن تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن الملف النووي الإيراني “مثيرة للدهشة”، مشددة على أن امتلاك إيران للسلاح النووي “يخالف الدين” في إيران.
وقال المتحدث باسم الوزارة محمد علي حسيني، لوكالة “فرانس برس”، “إنها تصريحات مفاجئة في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول الاوروبية الى تجديد الحوار في شأن الملف النووي الايراني، وفيما لم تشر الوكالة الدولية للطاقة الذرية قطّ الى انحراف للبرنامج النووي الإيراني” عن الأغراض المدنية.