رام الله، غزة ــ الأخبار
العين الفلسطينية على مكة، حيث حوار الفرصة الأخيرة اليوم، والقلوب تترقّب ما يمكن أن يصدر من نتائج ستحدد مصير بقاء القضية الفلسطينية، أو دخولها في التيه السياسي والأمني، واندثارها ببنادق أبنائها

احتل لقاء مكة، المرتقب اليوم، مساحة كبيرة من حديث الفلسطينيين واهتماماتهم، باعتباره «حوار الفرصة الأخيرة»، وفشله يعني الذهاب مباشرة إلى الانتخابات المبكرة، بحسب مصادر مقربة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي شدد، في حديث لـ«الأخبار» قبل توجهه إلى السعودية، على حرصه على إنجاح الحوار، وهو ما شاركه فيه قياديو «حماس»، في ظل مناوشات متقطعة بين مسلحي الطرفين، وخطف مدير مكتب وزير الداخلية سعيد صيام.
وقال الرئيس الفلسطيني أبو مازن، لـ“الأخبار” قبل مغادرته رام الله إلى عمان ومنها إلى السعودية، إنه “معني بشكل كبير في التوصّل إلى اتفاق شامل مع حركة حماس على قضايا مهمة عديدة أبرزها تأليف حكومة وحدة وطنية تلبي الشروط، والشراكة السياسية الحقيقية، والعمل معاً على كسر الحصار المالي على الحكومة والشعب الفلسطيني، والتحريم الفعلي للاقتتال الداخلي”.
وأضاف أبو مازن: “أتمنى ألا يفشل الحوار هذه المرة، لأن فشله يعني تفاقم الأوضاع الداخلية واشتعال الحرب الأهلية، وهذا عار على حماس وفتح أن تسبّبا زيادة الألم والأوجاع للشعب الفلسطيني، فالمستفيد من الاقتتال هو أعداء الشعب وليس فينا رابح واحد”.
ووصف عباس خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، خالد مشعل، أول من أمس بأنه “خطاب حكيم ومتزن”، متمنياً أن “يكون نَفسُ مشعل في الخطاب كنَفسِه في الحوار”.
وأضاف الرئيس الفلسطيني أن “كلمة الفشل ممنوعة، علينا أن نُفرح شعبنا في قطاع غزة بأننا اتفقنا وأننا جميعاً نريد مصلحته ونخاف عليها ونعمل من أجله ومن أجل كل الشعب الفلسطيني أينما وجد”. وتابع إن “الكل هنا مطالب بإنجاح الحوار والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية الحقيقية بعيداً عن الشعارات الرنانة والهتافات”. وطالب الطرفين بوقف التحريض الإعلامي والتزام التهدئة الداخلية المعلنة “لتجنيب القضية الفلسطينية أكبر خسارة في تاريخها”.
وعلمت “الأخبار” من مصدر مقرب من الرئاسة الفلسطينية أن عباس سيقرر بشكل سريع الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة في حال فشل الحوار في مكة. وأضاف: “إذا فشل الحوار، لا قدّر الله، فإن الرئيس أبو مازن سيتجه فوراً بخطاب للشعب يعلن فيه موعد إجراء الانتخابات المبكرة”، لكنه استدرك قائلاً: “هذا الخيار الأخير ونتمنى ألا يتجه الرئيس اليه”.
وقال المصدر نفسه، الذي فضل عدم ذكر اسمه: “أتمنى من الله أن ينجح الحوار في مكة وأن تفهم حماس أنه ليس في وسعها إلا الاتفاق والحوار وعدم استخدام السلاح وتفويت الفرصة على المتربصين بوحدتنا الداخلية التي كانت متينة إلى أن دنسناها بالاقتتال في قطاع غزة”.
أما رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية فقال من جهته إنه «ليس أمامنا خيار إلا خيار الاتفاق، إذا خلصت النيات وصدقت العزيمة، وغلّبنا المصالح العليا، فنحن على يقين بأننا سنتفق».
وأقرّ هنية، في مستهل الجلسة الاسبوعية للحكومة أمس، بأن «الملفات على طاولة الحوار متعددة، وقد تلقي الأحداث (الصدامات الداخلية) بظلالها على هذه الملفات». غير أنه شدد على «أننا ذاهبون إلى مكة بإرادة صادقة لنتوصّل إلى اتفاق فلسطيني ــ فلسطيني ينهي حال الاحتقان والأزمة، ويعزز الوحدة الفلسطينية وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وكذلك تعزيز التطبيق الحقيقي للشراكة السياسية».
وقال المتحدث باسم “حماس”، إسماعيل رضوان، إن “وفد الحركة سيذهب إلى الأراضي الحجازية بقلب وعقل مفتوحين لأجل التوصل لحقن الدم الفلسطيني وتحقيق الوحدة”، معبّراً عن أمله أن يكون وفد حركة “فتح” يتمتع بالروح نفسها.
وأشار رضوان إلى أن الوفد المنطلق من الداخل يحمل ملفات مهمة توقف عندها الحوار في غزة، وتتعلّق بتشكيل حكومة الوحدة على أساس وثيقة الوفاق الوطني، وكتاب التكليف، والوزارات السيادية، والعلاقة بين مؤسستي الحكومة والرئاسة، وما يتعلق بصلاحيات الحكومة المنصوص عليها في القانون الأساسي. وشدد على إصرار “حماس” على رفض الضغوط والإملاءات الأميركية والإسرائيلية، بقدر إصرارها على تحقيق الوحدة الوطنية وحقن الدم الفلسطيني، من خلال التوقيع على ميثاق شرف يحرم استباحة الدم.
ورفض رضوان الحديث عن “سقف زمني للحوار”، لكنه توقّع ألا يطول، ويتم انجاز تفاهمات فلسطينية ــ فلسطينية، إذا ما توافرت لدى فريق الرئاسة وحركة “فتح” الارادة التي تتمتع بها “حماس” للخروج من “عنق الزجاجة”.
وكانت مصادر فلسطينية قد أكدت أن السعودية أُبلغت رسمياً أسماء وفدي «فتح» و«حماس» المشاركين في الحوار. وقالت إن «حماس» اعترضت على وجود النائب عن حركة «فتح» محمد دحلان ضمن وفد «فتح». إلا ان تسوية تمّت بعد اتصال هاتفي بين مشعل وعباس.
وقالت مصادر مقربة من “حماس” إن مصر تبذل جهوداً لضمان فتح معبر رفح الحدودي مع القطاع، لضمان مرور هنية والوفد المرافق له للمشاركة في حوار مكة. ورجحت المصادر أن يغادر هنية غزة على رأس وفد يضم وزير الخارجية محمود الزهار، والمتحدث باسم الحكومة غازي حمد، على أن ينضم إليهم من الضفة الغربية نائب رئيس الوزراء ناصر الدين الشاعر، ووزير المال سمير أبو عيشة.
إلى ذلك، سعت القاهرة أمس إلى تأكيد حضورها المعنوي فى لقاء مكة. وكشف المتحدث باسم الرئاسة المصرية سليمان عواد أمس أن الرئيس المصري حسنى مبارك في حالة تنسيق لا ينقطع مع الملك السعودي عبد الله، مشيراً إلى أن هذا الاجتماع “تتوافر له أسباب النجاح”. وشدد على أن بلاده ترغب في أن يتكلم الفلسطينيون بصوت واحد بعيداً عن تشرذم الفصائل وانتماءاتها وبعيداً عن أي تأثيرات خارجية.
في هذا الوقت، ساد هدوء حذر شوارع قطاع غزة لليوم الثاني على التوالي، رغم بعض الخروق البسيطة. وافادت مصادر امنية انه تم تسيير دوريات من الشرطة الفلسطينية في الشوارع “للحفاظ على الهدوء وتثبيت التهدئة بين الطرفين”.
وأفاد مصدر طبي فلسطيني بأن ثلاثة عناصر من امن الرئاسة الفلسطينية توفوا أمس متأثرين بجروح اصيبوا بها الجمعة الماضي. وقال المصدر ان الثلاثة هم محمد حسنين (21 عاماً) ومحمد عفانة (22 عاماً) ونائل أبو حميد (23 عاماً). وبوفاة هؤلاء الثلاثة يرتفع عدد قتلى المواجهات الداخلية إلى 31.
وفي رام الله، أفادت مصادر أمنية بأن مسلحين مجهولين اختطفوا مدير مكتب سعيد صيام، عرفات ناصر، وأطلقوا النار على أحد موظفيه.