يصنّف المحلّلون العلاقات بين عملاقي الشرق الأوسط، إيران والسعوديّة، داخل خانة «المطبّات السياسيّة» في أحسن الأحوال، وخاصة بعدما ألقت حساسيّات المرحلة الأخيرة، المتعلّقة بنواة النزاعات الشيعيّة ــ السنيّة في العراق ولبنان، بثقلها الخاصّ على التوتّر الذي يحكم مستوى الدبلوماسيّة، الجنينيّة، بينهما.إلّا أنّ الجهود التي بذلها الطرفان لإخماد المواجهات الأخيرة في شوارع لبنان، حالت دون انزلاق أمني محتّم، على أسس الاختلافات المذهبيّة والسياسيّة، وأمّنت بوادر انفراج دبلوماسي محتمل لتدارك انزلاقات أخرى، على الصعيد الإقليمي.
وكان وزير الخارجيّة السعودي سعود الفيصل قد أعلن أخيراً أنّ الرياض وطهران بدأتا التشاور، بعد تقرّب الجمهوريّة الإسلاميّة من بلاده، بهدف «التعاون لاحتواء الصراع بين السنّة والشيعة في لبنان والعراق». وأرسلت الرياض الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأمير بندر بن سلطان إلى إيران لدراسة الجهود المبذولة هناك لدرء الأخطار المذهبيّة و«اكتشاف ما يمكن أن تساهم به إيران» في هذا الإطار.
ومن جهته، قام أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بزيارة إلى المملكة، لطلب مبادرة سعوديّة تعمل على محور التهدئة بين بلاده والولايات المتحدة في ما يتعلّق ببرنامج طهران النووي.
وقال أحد المسؤولين السعوديّين الأسبوع الماضي إنّ لاريجاني تقدّم بطلب يناشد فيه الرياض التأثير على الإدارة الأميركيّة لتخفيف حدّة «التعاطي الهجومي» مع بلاده.
وأضاف المسؤول انّ المملكة، في المقابل، طلبت من إيران، أوّلاً، الضغط على حلفائها في لبنان للتعاون مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وثانياً، كبح نشاطات الميليشيات الشيعيّة في العراق.
إلا أن طهران والرياض نفتا في وقت لاحق أي وجود لهذا الطلب، الذي يبقى ضمن التكهنات السياسية.
وليس واضحاً موقف واشنطن، الحليف التاريخي للرياض، من بذور هذه الدبلوماسيّة، في ظلّ موقفها الداعي إلى وقف التعاطي الرسمي مع الحكومة الإيرانيّة في سياق المساعي الرامية إلى عزلها، وقيام الرئيس الأميركي جورج بوش بحشد قوّاته العسكريّة في منطقة الخليج العربي، في ما يعتبره البيت الأبيض «إشارات قوّة موجّهة ضدّ طهران».
ويقوّم دبلوماسيّون غربيّون في الرياض الوضع، عبر استبعاد أيّ امتعاض أميركي، أو حتّى من قبل أيّ دولة ترفض الحوار مع إيران، من تلك المحادثات. وقال أحدهم، من دون أن يفصح عن اسمه، إنّه «حتّى الحكومات الأكثر حذراً في مقاربتها للمعضلة الإيرانيّة، سعيدة بالحوار السعودي ــ الإيراني».
ولدى الرياض مصالح خاصّة ضمن سعيها إلى تهدئة الشرق الأوسط، وتكمن في الخوف من امتداد النزاعات السنيّة ــ الشيعيّة المذكورة، وخروجها عن السيطرة لإلحاق الضرر بالمصالح السعوديّة، ودفع الأميركيّين إلى خوض مغامرة عسكريّة ضدّ إيران، ستكون لها مضاعفات إقليميّة لا تُحمد عقباها.
وللأسباب ذاتها، اتّخذت الرياض لنفسها حلّةً جديدة للتوسّط بين حركتي «فتح» و«حماس» داخل دوّامة النزاع حول السلطة الفلسطينيّة، في الوقت الذي يدور الحديث فيه عن لجوء «حماس» إلى إيران للحصول على الأموال.
ويرى السعوديّون، بوصفهم مسلمين سنّة محافظين، «المدّ الشيعي الإيراني» خطراً على المنطقة عامّةً، وعلى نفوذهم فيها، وخصوصاً في ظل تدفّق السيولة الماليّة من طهران إلى «حزب الله» وإلى الميليشيات الشيعيّة المرتبطة بالأحزاب المسيطرة على الحكومة العراقيّة.
وازداد التوتّر خلال الشهر الماضي، عندما شدّد الملك السعودي عبد الله على الشائعات الدائرة حول الممارسات الإيرانيّة الداعمة لجهود التشييع في الشرق الأوسط، وقال وقتها، في حديث مع صحيفة «السياسة» الكويتيّة، «نحن نتابع هذه المسألة، وواعون لأبعاد التمدّد الشيعي وإلى أين وصل»، مضيفاً انّ «غالبيّة السنّة لن يغيّروا مذهبهم».
من جهتهم، يتّهم الإيرانيّون المملكة، والبلدان الأخرى المتحالفة مع واشنطن، بالمبالغة في تصوير النيات الإيرانيّة سلباً، وكذلك يتّهمون السعوديّين بدعم الميليشيات العراقيّة السنيّة، التي تستهدف العراقيّين الشيعة، عبر التفجيرات اليوميّة.
(أ ب)