حيفا ــ فراس خطيب
“إنهم يهدمون التاريخ”، بهذه الجملة لخّصت الحركة الإسلامية أعمال الحفر المستمرة قرب المسجد الأقصى، حيث ضربت إسرائيل عرض الحائط بالتنديدات الدولية وزادت حفرياتها
واصلت الجرافات الإسرائيلية أمس، لليوم الثاني على التوالي، الحفريات في محيط المسجد الأقصى وهدم طريق “باب المغاربة”. وفيما تزايدت الإدانات الفلسطينية والعربية والدولية، بدا أن إسرائيل ماضية في مشروعها بغض النظر عن المواقف الكلامية.
وأفاد شهود عيان، لـ“الأخبار”، أنّ وتيرة الحفريات تزايدت أمس إلى حد كبير، مقارنة باليوم الأول. وأشارت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية إلى أنّ الجرافات الإسرائيلية واصلت الهدم بهدف “الوصول إلى غرفتين ملاصقتين للجدار الغربي في المسجد الأقصى”.
ويشارك في عملية الهدم، الهادفة إلى “بناء جسر واكتشاف آثارات”، جرافتان ضخمتان وشاحنة كبيرة لنقل الأتربة.
وهاجمت الشرطة الإسرائيلية، عند الساعة العاشرة من صباح أمس، المتواجدين على مقربة من باب المغاربة واعتدت عليهم واعتقلت رئيس الحركة الإسلامية داخل فلسطين 1948 (الشق الشمالي) الشيخ رائد صلاح وخمسة من معاونيه للتحقيق معهم. وبعد قضاء نهار كامل من التحقيقات، اشترطت الشرطة إطلاق سراحهم في مقابل تعهّد يوقّعون عليه بعدم المجيء إلى المسجد الأقصى وعدم الاقتراب من محيطه لمدة 15 يوماً. إلا أنّ المعتقلين رفضوا هذا الاقتراح، مبيّنين أنّهم “يرفضون المساومة”. ونُقل صلاح ومعاونوه إلى محكمة الصلح في القدس المحتلة لحسم القضية. وقررت المحكمة الإفراج عنهم، وأصدرت أمراً بإبعادهم عن أسوار القدس 150 متراً لمدة 10 أيام.
وقال الشيخ صلاح، لـ“الأخبار” بعد الإفراج عنه مباشرة، “نحن نؤكد بأنّ المؤسسة الإسرائيلية هي مؤسسة احتلالية للمسجد الأقصى”، مضيفاً «إذا ظنّت هذه المؤسسة أنّها تستطيع إخافتنا بالسجون، فنحن نقول لهم إنّ السجون لا تخيفنا”.
وعلى الرغم من «أمر إبعاده» عن المسجد الأقصى، أكّد صلاح، لـ“الأخبار”، أنّه “سيشد الرحال اليوم الخميس إلى يوم النفير في المسجد، الذي دعت له الحركة الإسلامية»، مشيراً إلى أنّه يتمنى دائماً “انتفاضة عربية إسلامية لإنقاذ المسجد الأقصى”.
ورأى صلاح أن ردود الفعل العربية “لا ترتقي إلى مستوى التحديات ولا الحدث”، مبيّناً أنّ ما يجري في رحاب الأقصى هو “حدث جلل، وهدم تدريجي للمسجد”.
وقال نائب رئيس الحركة الإسلامية، الشيخ كمال خطيب، “إنّ وتيرة الحفريات في تصاعد مستمر”. ورأى أنَّ هذا التصاعد جاء في أعقاب “اللامبالاة والصمت في العالمين العربي والإسلامي”.
وأكَّد خطيب أنَّ ما يجري في محيط المسجد الأقصى “ليس مجرد حفريات”، مضيفًا أنَّ “الباب الذي يتم هدمه الآن هو الباب نفسه الذي دخل منه صلاح الدين الأيوبي عند تحريره القدس من أيدي الصليبيين”، مشدداً على أنَّ “ما يهدم هو التاريخ”.
وقدمَّت الكتل العربية الثلاث في الكنيست (التجمع الوطني، الجبهة الديموقراطية، القائمة الموحدة) اقتراحات لحجب الثقة عن الحكومة الإسرائيلية في أعقاب استمرار الحفريات في محيط المسجد، مشيرة إلى “أنَّ الحفريات الإسرائيلية هي تصعيد خطير جداً واستفزازي للمسلمين في كافة أرجاء المعمورة”.
ودعا قاضي القضاة ورئيس رابطة العلماء المسلمين في الأراضي الفلسطينية الشيخ تيسير التميمي إلى اعتبار الجمعة “يوم غضب عارم في العالم، تنطلق فيه المسيرات والتظاهرات ضد الجريمة”. وحمّل التميمي “الحكومة الاسرائيلية، وعلى رأسها رئيس الوزراء ايهود اولمرت مسؤولية عواقب هذه الجريمة الكارثية في المنطقة”.
وحذر مفتي القدس والأراضي المقدسة، محمد حسين، من “كارثة حقيقية في مدينة القدس” في حال وقوع أي زلزال “بسبب الحفريات التي تقوم بها السلطات الاسرائيلية تحت المسجد الأقصى”. وقال إن “القدس أصبحت مدينة في الهواء، ومفرغة من تحتها على عمق عشرات الأمتار”.
وهددت “كتائب شهداء الأقصى”، الذراع العسكرية لحركة “فتح”، باستهداف “الكنس ودور العبادة اليهودية” ان لم توقف اسرائيل “فوراً” حفرياتها في محيط المسجد الاقصى.
ودان الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، اكمل الدين احسان اوغلو، في بيان، “الجريمة الاسرائيلية ضد المسجد الاقصى”. واعتبر ان هذه الاشغال “خرق فاضح للقوانين الدولية التي لا تجيز لدولة الاحتلال العبث أو تغيير المعالم الدينية والتاريخية في الاراضي التي تحتلها”.
ودعا شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي المسلمين الى بذل كل جهودهم لحماية المسجد الاقصى. وشدد، في مؤتمر صحافي، على أن “الجهاد فرض على كل مسلم عند الاعتداء عليه”.
وأعرب مجلس الوزراء القطري “عن ادانته واستنكاره للاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على المقدسات الاسلامية في القدس الشريف”. وأكد “رفضه لهذه الممارسات والمحاولات الاسرائيلية الرامية إلى تهويد القدس وطمس هويتها العربية الاسلامية، والتي تشكل انتهاكا لقرارات الشرعية الدولية”.
ودان بيان لوزارة الخارجية السورية أعمال الحفر الإسرائيلية، معتبراً أنها تشكّل “مسّاً صارخاً بالمقدسات الإسلامية”. وأضاف أن “إسرائيل كسلطة قائمة بالاحتلال يتوجب عليها القيام بحماية الأماكن المقدسة وفقاً للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة”.
وفي طهران، حث مرشد الجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي العالم الإسلامي على جعل إسرائيل تندم على أعمال الحفر بالقرب من المسجد الأقصى.
ونقلت الإذاعة الإيرانية عن خامنئي قوله إن “رد العالم الإسلامي على هذه الخطوة المهينة يجب أن يجعل الكيان الذي يحتل القدس يندم... السكوت عن هذا الأمر غير مقبول”.
واستنكر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أعمال الحفر والهدم، معتبراً أن ما حصل إجراء “استفزازي” يزيد العداء في المنطقة. وأضاف ان طبيعة هذا الكيان “قائمة على التدمير وإيجاد الصراع والتوترات”.
وأسِف نجاد لصمت “المتشدقين” بحقوق الإنسان والثقافة إزاء جرائم اسرائيل وأعمالها “المعادية للبشرية والثقافة”. وشدد على ضرورة تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي والدول الإسلامية بشكل أكبر لإحباط “هذه المؤامرة المقيتة”.
وفي باريس، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية جان باتيست ماتيي أمس اسرائيل الى “الامتناع عن اي عمل يمكن ان يثير التوتر في القدس”، معتبراً الأشغال في محيط المسجد الاقصى “موضوعاً حساساً”. وجدد التشديد على “الموقف الثابت” الفرنسي حول وضع القدس الذي “ينبغي التفاوض بشأنه بين الاطراف”.
وعلى الرغم من الاحتجاجات على الأعمال في الاقصى، إلا أنَّ الاسرائيليين مصممون على أنَّ ما يجري “ضروري ولا نية لإلحاق الضرر في المسجد الاقصى”.
وكان مكتب أولمرت قد أصدر بيانًا قال فيه إن “أعمال الترميمات ستستمر”، مشيراً إلى أنَّ ما يجري هو “ضروري ولا يجب الهلع من بعض التظاهرات والصرخات”.