باريس ــ بسّام الطيارة
بدأت المعركة الانتخابية الرئاسية في فرنسا مع خروج المرشحين الرئيسين سيغولين رويال ونيكولا ساركوزي من أزقة التراشق الإعلامي ليدخلا في حلبة الصراع على الأفكار والبرامج.
ومع أن إشارات الخوف وعلامات القلق بدأت تظهر داخل الحزب الاشتراكي من تراجع شعبية رويال بغياب برنامج يشحذ الهمم ويبقي حماسة المؤيدين، رفضت المرشحة اليسارية تغيير خطتها وتابعت حملة “الجدل الاشتراكي” التي دارت في معظم المناطق والمدن الفرنسية، عبر حلقات مناقشة يشارك فيها المواطنون. وقد صاغت برنامجها الانتخابي باسم “دفاتر الأمل”، الذي أعلنته أمس أمام الآلاف من مؤيديها في مركز المعارض في الضاحية الشمالية لباريس.
واستفادت المرشحة اليسارية من جملة الانتقادات التي وُجهت إليها منذ ثلاثة أشهر، وحققت بعض التغييرات في طريقة تواصلها الإعلامية مع مؤيديها ومع المواطنين؛ فمن ناحية الشكل، اختارت رويال التخلي عن ارتداء “اللون الأبيض”، الذي كانت ترتديه منذ انطلاقها في مسار الترشح، وظهرت بثوب أحمر يذكّر آلاف المؤيدين الحاضرين بأنها “تمثل اليسار الفرنسي”. وكذلك الأمر في ما يتعلق بالديكور. فهي قبلت، بعد إلحاح إدارة الحزب ومسؤولي “تسويق حملتها السياسية”، بإبدال اللون الأزرق الذي كان يشكّل “أفق المنابر” التي تقف عليها باللون الأحمر.
أما من حيث المضمون، فإن رويال أثبتت من خلال خطابها الذي استمر ساعتين أنها “لم ترضخ لمطالب الحزب” عندما وضعت “الميثاق الرئاسي” الذي تعهدت أن يربط بينها وبين المواطنين إذا تم انتخابها. وبدت في ذلك أقرب كثيراً إلى الجنرال شارل ديغول، الذي كان يرى في الانتخابات الرئاسية “حواراً بين الشعب وبين المرشح يعقبه اختيار حر”.
ولم تقتصر “الديغولية” على هذه العلاقة التي أرادت رويال أن تثبتها مع المواطنين، بل كانت حاضرة بقوة، أكان في شعارها الجديد “كلما ازدات فرنسا عدلاً ازدادت قوة”، أم في كل منعطف من منعطفات برنامجها الطويل؛ فهي بدأت بالإشارة إلى الدين العام الذي يكبل النمو، وجعلت من السيطرة عليه، إلى جانب العمل من أجل “نمو مستديم وقوي وإعادة الوفاق بين الفرنسيين والمؤسسات”، شرطاً لعودة الثقة بالاقتصاد الوطني. وانتقلت بعد ذلك إلى ضرورة “دعم القوة الشرائية” للمواطنين ومحاربة “ارتفاع المعيشة”. وهذه الطروحات، هي طروحات ديغولية صافية.
إلا أن المعالجات التي قدمتها رويال لهذه الطروحات بقيت، رغم لونها الاشتراكي، ضمن “التوجهات اليعقوبية” المركزية التي حافظ عليها كل الذين حكموا فرنسا، بمن فيهم الرئيس الراحل فرنسوا ميتران؛ لقد وعدت بـ“رفع الحد الأدنى للأجور” وبضمان “السكن على مدى الحياة للمواطن الفرنسي” في إجابة مباشرة على مأساة الآلاف الذين يعيشون في العراء.
كذلك الأمر بالنسبة للسياسة الخارجية، حيث لم يكن ديغول بعيداً عن شعارات رويال؛ فبعدما أشارت إلى أنها لن تقبل بتراجع اللغة الفرنسية في العالم، وبأنها ستعمل على دعم الفرنكوفونية، أعادت رويال التذكير “بدور فرنسا في العالم”، داعية إلى رفض “عالم أحادي القوة”، في إشارة مباشرة للولايات المتحدة، التي دعتها إلى “احترام القانون الدولي ومعاهدات حظر الأسلحة”. وشددت على ضرورة السعي إلى دعم العلاقات المتعددة ضمن القواعد التي تسنها الأمم المتحدة. وقالت إن فرنسا ستبقي على قواتها “في خدمة السلام في أفريقيا وفي الشرق الأوسط”.
أما في ما يتعلق بمسألة الشرق الأوسط، فقد قالت رويال إن “الحلول يجب أن تكون مرتكزة على الواقعية السياسية والطموح البنّاء” وأن يهدف العمل إلى “العدالة بالنسبة للشعب الفلسطيني والأمن بالنسبة لإسرائيل”.
وبعدما ذكّرت بأنها “كانت متشددة بالنسبة لانتشار الأسلحة النووية” من دون أن تذكر إيران بالاسم ولا أن تعيد دعوتها إلى منع طهران من الحصول “حتى على الطاقة النووية لأغراض سلمية”، دعت رويال إلى “إبقاء الحوار مفتوحاً” في لبنان ومع سوريا وإيران.
وانتقدت “عدم إصغاء (واشنطن) لصوت فرنسا الذي كان على حق” قبل احتلال العراق. وفي هذا إشارة واضحة إلى “انبطاح” خصمها ساركوزي، الذي لم تذكر اسمه البتة.