طهران ــ محمد شمص
لا يكاد ينقضي يوم إلا ويصدر عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خطاب أو موقف يتناول قضايا بلاده والمنطقة والعالم. وقد يكون الأمر طبيعياً في ظل التحديات التي تواجهها إيران والضغوط الدولية والخطاب السياسي المتوتّر بينها وبين بعض العواصم الغربية والدور الإقليمي الذي تؤديه. لكن هل نجح نجاد في خطابه الذي يصفه البعض في طهران بأنه انفعالي وغير عقلاني، في درء الخطر عن بلاده، أم أنه يسهم في زيادة التوتر؟ وهل تضاءلت قاعدة نجاد الشعبية وانكفأت نتيجة سياساته الخارجية؟
جاء نجاد، أو جيء به كما يرى البعض، إلى الرئاسة قبل سنة ونصف السنة تقريباً، لمواجهة المرحلة الصعبة الراهنة والتحديات الخارجية التي تشهدها البلاد، رافعاً شعار العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والفساد. لكن ماذا قدم للإيرانيين حتى الآن؟
يعتقد معارضوه أنه لم يستطع إلى الآن الإيفاء بوعوده التي قطعها للناس. ويُسجّل عليه اقتصادياً أن عهده شهد تضخّماً في الاقتصاد وارتفاعاً جنونياً في الأسعار، ولا سيما في السكن، الأمر الذي اعترض عليه بشدة نواب مجلس الشورى، وحتى من بعض النواب الموالين أو المحسوبين عليه. كما أن شعار نجاد لتحقيق العدالة، وإشاراته بشأن محاسبة المفسدين ومعالجة الثراء الفاحش غير المشروع انطلاقاً من قاعدة «من أين لك هذا؟»، ربما أدخلت الطمأنينة إلى نفوس شريحة كبيرة من الفقراء، لكنه أقلق أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، وأسهم في تعطيل أو إبطاء حركة الاستثمارات الأجنبية والداخلية، بحسب رسالة خمسين خبيراً اقتصادياً. كما أنه لم يستطع وضع حد للفساد المستشري في الوزارات، ولا سيما وزارة النفط.
هذه الإشكاليات يرد عليها نجاد والموالون له بالقول إن الانخفاض في أسعار النفط بدأ يترك آثاره، خلافاً لعهد الرئيس السابق محمد خاتمي، الذي شهد طفرة نوعية في أسعار النفط العالمية.
ورغم ذلك، سجلت خطة أحمدي نجاد الاقتصادية نجاحاً وتقدّماً مطرداً، حيث يجري تأمين فرص عمل لمليون إيراني سنوياً، بحسب وزير العمل محمد جهرمي. وتضيف مصادر نجاد أن شعبيته لم تتراجع إطلاقاً ولا تزال الشريحة الأكبر، وخصوصاً من محدودي الدخل والفقراء، تدعمه. وعلى سبيل المثال، اشتهرت سترته، التي صنفت بأنها أرخص سترة لرئيس جمهورية في العالم، وقد بدأ الكثير من الشباب الإيرانيين بارتدائها.
سياسياً، يكمن الخلاف الشديد في العلاقات الدولية. خلاف قد يطيح شعبية نجاد أو قد يقوده إلى الفوز في دورة رئاسية ثانية. ولم يعد يخفى على أحد الانتقادات التي يوجهها يومياً منافسه السابق في الانتخابات الرئاسية رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني والرئيس السابق محمد خاتمي والتيار الإصلاحي عموماً، على خلفية طريقة مقاربته للملف النووي. يرى هؤلاء ضرورة عقلنة الخطاب النووي لنجاد والتمتّع بقدر كبير من الحنكة والحكمة، وعدم تقديم الذرائع «للثور الهائج الأميركي»، حسبما وصفه المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي.
هذا «الثور»، الذي يسعى إلى استدراج إيران إلى الحرب وشن عدوان عسكري عليها، قد يطيح كافة الإنجازات النووية والاقتصادية، وإن الحفاظ عليها هو النصر بحد ذاته. ولن يتحقق ذلك بخوض مواجهة عسكرية غير محسوبة النتائج، إلا إذا كان ينتهج سياسة حافة الهاوية لكسب الوقت ورفع السقف التفاوضي في المباحثات النووية.
لكن الأمر لا يبدو على هذه الصورة بنظر معارضيه، الذين يرون أن سياسات نجاد أدت إلى العقوبات الاقتصادية الدولية بعد صدور القرار الدولي الرقم 1737.
ويقول معارضو نجاد إن خطابه تحوّل أخيراً من خطاب نشط دبلوماسي إلى خطاب انفعالي متوتر.
ويبقى أهم دليل على انخفاض شعبية نجاد، وهو نتائج الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة التي أظهرت تقدماً للإصلاحيين وبعض المبدئيين من المحافظين، على حساب أنصاره ومحبيه.
لكن، ولأن الشعب الإيراني شعب طموح يرغب في التغيير والإصلاح ويحمل دائماً المفاجآت، من المبكر الحديث الآن عن قدرة نجاد في الحفاظ على شعبيته للفوز في الدورة الرئاسية المقبلة.