آلاء اليوسفي
«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، عبارة كافية لتثير الرهبة في قلوب السعوديين والمقيمين في المملكة، كرد فعل على تصرفاتها، أو بالأحرى تجاوزاتها. حكايات «الهيئة»، أو «الحسبة» كما يُطلق عليها، تلهج بها الألسن في السهرات والجلسات

مراهق يتعرض للضرب المبرّح بسبب ضفيرته التي تحمل ملامح «غربية لا تمت إلى الإسلام بصلة». سيّدة تُعنف على مرأى من العامة في سوق تجاري لأنها تكشف عن وجهها أو بسبب عباءتها غير الفضفاضة، ما يستدعي تدخّل زوجها ليتطوّر الأمر إلى تشابك بالأيدي. شبان يُساقون إلى صلاة الجماعة عنوة من أماكن عملهم. شابة تلتزم التعهد بعدم تكرار حادثة الاختلاط بالرجال حتى لو كانت في مكان عملها. دهم مسرح أو محاضرة وتعطيلها لأنها تروّج للأفكار الهدامة. هذا جزء يسير من تجاوزات أو تصرفات «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية».
وُجدت «الهيئة» في الأساس لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، وفقاً للفكر الوهابي، الذي يُحرّم كثيراً من الأمور التي لا يجمع سائر المسلمون على تحريمها. من هنا أصبحت لائحة الممنوعات في السعودية طويلة، أبرزها حرمة الاختلاط بين الجنسين حتى في الأماكن العامة، وذلك تحت طائلة العقوبة بتهمة «الخلوة غير الشرعية».
لكن رغم تجاوزات «الحسبة»، لا يتفق جميع السعوديين على ضرورة تنحيتها، بل لا يزال المحافظون يرون أن وظيفتها أمر مبرر ومطلوب، وإن اتفقت الغالبية على ضرورة تصحيح الخلل والتجاوزات. وعلى هذا الصعيد، يرى عبد الله أن وجود «الحسبة» أمر «ضروري بالنظر إلى الإنجازات التي تقدّمها على صعيد محاربة الرذيلة، لكن يُعاب عليها توظيفها أشخاص غير مؤهلين يلجأون في كثير من الأحيان إلى العنف قبل اللين». ولا يرى عبد الله أن تجاوزات رجال «الهيئة» تفوق ما يقدمونه من إنجازات، «لكن المشكلة أن الإنجازات غير معلنة بينما التجاوزات معلنة».
بدوره، وقبل أن يعبّر عن رأيه في «الحسبة»، يذكّر حسن بالآية القرآنية «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، ليقول «أنا لا أرى أي علاقة للهيئة بالحكمة أو بالموعظة الحسنة».
وعما إذا كان يفرّق بين منسوبي الهيئة أم رأيه يشملهم جميعاً، يقول «غالباً ترتبط صورة الهيئة بذهني بأمر غير مستحب وتستدعي مشاعر الرهبة والضيق، أول ما يتداعى إلى ذهني بشكل غير مقصود صورتهم السيئة، فممارساتهم تدفعني إلى تمني عدم وجودهم»،.
أما وليد فيرى أن صلاحية الهيئة فضفاضة، «ونحن لا نعرف أين تبدأ وأين تنتهي». ويروي ما حدث معه بالقول «جرى توقيفنا على خلفية توزيع منشورات عن مسرحية ستعرض في البحرين بحجة الدعوة إلى الفساد»، متسائلاً «كيف يمكن أن أناقش رجلاً يتهمني بالدعوة إلى الفساد لأنني أنوي عرض مسرحية في البحرين؟ وبأي عقل أحاوره؟». وفي شأن ما يُشاع عن تحسّن أداء الهيئة أخيراً نسبة إلى ما كانت تقوم به في السابق، يقول «هذا التحسّن المزعوم لم نلمسه على الأرض، حتى الآن، أكثر من نصف منسوبي الهيئة هم محدودو الثقافة ولا يتمتعون بمهارة الاتصال وأسلوب التعامل ويفتقدون إلى الثقافة الدينية، وغالبيتهم لم يتعد مرحلة الدراسة الثانوية، وبعضهم أُفرج عنه من السجن بعدما حفظ القرآن ثم تاب والتحق بالهيئة».
لماذا رجال الهيئة مكروهون؟ تجيب ضياء على ذلك بالقول «لأنهم جهة ترهيبية وهذه نظرة معظم الشباب إليهم، بينما يجب أن يكون عملهم إرشادياً وتوجيهياً»، داعية إلى إعطاء رجال الأمن صلاحية الهيئة، «عندئذ يمكن الاستغناء عنها أو على أقل تقليص صلاحيتها لتقتصر على الإرشاد بدل أن تكون جهة عقابية». وقد أوضح تقرير رئاسة هئية «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أنه تم ضبط 390117 واقعة العام الماضي بزيادة 1.5 في المئة عن العام الذي سبقه. وبلغ أطراف هذه الوقائع 402725 شخصاً، وبلغ عدد الإناث في أطراف هذه الوقائع 12216. وتعدّ الرياض أكثر المناطق من حيث عدد القضايا التي بلغت 13992 قضية (أي محالة إلى جهة الاختصاص) و99099 مخالفة (أي جرت تسويتها في مراكز الهيئة)، بينما تعدّ منطقة حائل الأقل بنسبة 1 في المئة. وتمت معالجة معظم هذه الوقائع في مراكز الهيئة والبقية تمت إحالتها إلى جهات الاختصاص كالشرطة وغيرها. ومن هذه القضايا والمخالفات كما أوردها التقرير:
• القضايا الأخلاقية: وتشمل إدارة بيوت أو أماكن ارتكاب فاحشة اللواط، اغتصاب، ومحاولة اغتصاب الأحداث، الزنا، تعرض الرجال للنساء المصاحب لقول أو فعل الخلوة المحرمة، ملاحقة السيارات المقلة للنساء واحتجازها، تشبّه أحد الجنسين بالآخر. وتمثل 56 في المئة من إجمالي القضايا المحالة إلى جهات الاختصاص.
• قضايا المسكّرات: وتشمل استعمال المسكر، حيازته، ترويجه، تصنيعه، التعاون على الترويج والتصنيع، استنشاق الغراء. وقد مثل السعوديون ما نسبته 59.9 في المئة من إجمالي المضبوطين في قضايا المسكرات.
• القضايا الأخرى: وتشمل القمار، الاعتداء على رجال الهيئة، والإقامة في البلاد بطريقة غير نظامية.
• قضايا العبادة: تشمل تعمد ترك صلاة الجماعة، تكرار ترك صلاة الجماعة، الإفطار في نهار رمضان، وبلغ عدد المضبوطين 3593 شخصاً.
• قضايا المطبوعات: وتشمل الصور الخليعة والصور المجسمة ومطبوعات الأفكار الهدامة والأفلام الإباحية الخليعة.
• قضايا المخدرات: تشمل استعمال أو حيازة المخدر، ترويجه والتعاون على ذلك، استعمال مادة القات.
• قضايا العقيدة: وتشمل سب الله أو رسول الله أو الدين أو الصحابة، امتهان آيات الله، إظهار الكفار لشعائرهم، السحر والشعوذة والعرافة والخرافات. بلغ عددها 444 قضية.
• قضايا المحال التجارية: تشمل تفصيل الرجال للنساء مباشرة، أخذ القياس، الاختلاط في المطاعم.
أما القضايا التي تم إنهاؤها داخل مراكز الهيئة فتشمل:
• مخالفات العبادة: التخلف عن صلاة الجماعة، واستمرار العمل بعد الآذان، وتمثل 82 في المئة من إجمالي المخالفات المنهاة داخل مراكز الهيئة.
• المخالفات الأخلاقية: وتشمل تعرض الرجال للنساء، التحرش بالأحداث، دخول حدائق العائلات أو الدوران حول مدارس البنات.
• مخالفات الآداب العامة: وتشمل رفع صوت المسجل بالأغاني في مكان عام، عمل قصّات غريبة للشعر، التدخين في الأماكن العامة وقرب المساجد، ارتداء ملابس غير لائقة.
• مخالفات المحال التجارية: تشمل دخول النساء محال الخياطة التي يعمل بها رجال، تغطية واجهات محال المستلزمات النسائية، مخالفات مقاهي الانترنت.
• مخالفات أخرى: وتشمل التجول في أماكن مشبوهة، التلفظ بألفاظ غير لائقة على منسوبي الهيئة.
• مخالفات المطبوعات: تشمل حيازة صور النساء أو حيازة المحال لصور نساء شبه خليعة، مجلات الأزياء الممنوعة، والأشرطة غير المفسوحة.




...وتذمّر في مجلس الشورى

لم يعد التذمّر من تجاوزات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حكراً على عامة الناس وعلى صفحات الصحف السعودية، إذ تركزت مطالبات عدد من أعضاء مجلس الشورى أخيراً على تدريب منسوبي الرئاسة العامة للهيئة على مهارات الاتصال والجوانب السلوكية واللغة الانكليزية، إضافة إلى وضع خطة للتواصل مع شرائح المجتمع كافة. وطالب عضو مجلس الشورى الدكتور خليل الخليل بوقف المداهمات على المطاعم بحجة «تطبيق منع الاختلاط بين الجنسين». واعتبر أنها «مداهمات غير مبرّرة لأن الضحايا في الغالب من العائلات والأزواج وسيدات ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات، وذلك احتراماً لحقوق الإنسان وتجنباً لذيوع السمعة السيئة عن السعودية». ورداً على تقرير للهيئة يشير إلى تعرّض أفرادها لاعتداءات، قال الخليل «إن التقرير لم يوضح حجم الاعتداءات على رجال الهيئة»، داعياً إلى توفيرها للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء ذلك وإيجاد الحلول المناسبة لمنع تكرارها. وأشار إلى أن من الضروري أن تفسّر الرئاسة العامة «للهيئة» الحجم الكبير للوقائع، التي حواها التقرير والبالغ عددها 390117 واقعة، وخصوصاً أن التذمّر أصبح كبيراً من الهيئات. وأوضح أن السبب يعود إلى تصرفات بعض الجهلة فيها.
أما عضو الشورى الدكتور عائض الردادي فأرجع حصول بعض التجاوزات إلى شاغري المراتب الخامسة فما دون، الذين يشكلون نسبة تصل إلى 65 في المئة من موظفي الهيئة.
قال «على الهيئة العمل على تثقيف منتسبيها بما يجعل منهم آمرين بالمعروف لا ملاحقين للناس أو متصيّدين للأخطاء».