علي شهاب
حجز قرار بريطانيا خفض عدد جنودها في العراق حيزاً هاماً في مراكز الدراسات ودوائر صناعة القرار الغربية. ولعلّ التقرير «الفوري»، الذي أصدره خبير الشؤون الاستراتيجية والعسكرية في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي اس اي اس) أنطوني كوردسمان، قبل مرور 24 ساعة على الإعلان البريطاني، يمثل أكثر الآراء عمقاً في تحليل التطورات على الساحة العراقية، لاشتهاره بغزارته في الكتابة عن الموضوعين العراقي والإيراني منذ أكثر من 3 سنوات.
وتحت عنوان «الهزيمة البريطانية في الجنوب واستراتيجية بوش المشكوك بها في العراق»، رأى كوردسمان أن قرار لندن خفض عديد قواتها يعكس «حقائق ميدانية تسيطر على جنوب العراق منذ أكثر من عامين»، مشيراً إلى أن التكتيكات البريطانية، منذ الغزو في عام 2003، «لم تمنع انتصارات الإسلاميين (الشيعة) في العملية السياسية» العراقية.
وسرعان ما يصل الخبير الأميركي الى استنتاج مفاده أن البريطانيين «خسروا بشكل حاسم جنوب العراق، الذي يؤمن 90 في المئة من الدخل الإجمالي للعراق، و70 في المئة من الصادرات النفطية».
خلاصة أخرى يخرج بها كوردسمان بإعلانه أن القرار البريطاني «سيؤدي الى هيمنة الشيعة وتوسع النفوذ الإيراني وهجرة السنّة والأقليات»، وبالتالي ستسفر هذه الضغوط عن «مزيد من الضغوط من أجل تطبيق الفدرالية».
ويخصص كوردسمان، في تقريره المؤلف من ثماني صفحات، فقرة خاصة لتحليل موقع زعيم جيش المهدي السيد مقتدى الصدر بوصفه «يواجه مستقبلاً تكون فيه القوى الأجنبية خارج العراق»، ويكون نجم منافسيه الشيعة قد «خبا».
وفي حين يحذر كوردسمان من سيطرة «المتمردين الشيعة على بقية المناطق في العراق»، أثناء انشغال الأميركيين بتأمين العاصمة بغداد، يرى أن إيران هي المنتصر الأول من القرار البريطاني بخفض الجنود لأنها «تسعى الآن لاستغلال عدم شعبية الولايات المتحدة في المناطق الشيعية، حتى لو إن الحكومة العراقية تتعاون مع الأميركيين في مواجهة المسلحين السنّة».
ويذهب الخبير الاستراتيجي الأميركي إلى أبعد من ذلك، في جزمه بأن إيران «منتصرة، حتى لو لم تسعَ لاستغلال القضية (خفض الجنود البريطانيين)، لأن أي عراق يسيطر عليه الشيعة سيكون بحاجة لدعم إيران في السنوات المقبلة».
أما دول الجوار العراقي، فلن تكون مفيدة بالنسبة لاستراتيجية بوش، لأن «الحكومات السنية قد تفضل التعايش مع عراق يهيمن عليه الشيعة من مواجهة حرب إقليمية لسنين طويلة».
وفي ردود الفعل على القرار البريطاني، حذرت الخبيرة في شؤون الإرهاب في معهد «راند»، نورا بنسيل، من «تدهور» الوضع الأمني بعد رحيل البريطانيين، مشيرة الى نقص في قوات الاحتياط في جنوب العراق.
في المقابل، رأى الخبير العسكري في معهد «بروكينغز»، مايكل أوهانلون، أن خفض القوات البريطانية في الجنوب «مجازفة مقبولة»، رغم إقراره بأن «أقوى حلفاء أميركا في هذه الحرب فقدت أعصابها وأسبابها السياسية للبقاء» في العراق.
ويتوقع محلل السياسة الدولية في معهد «كاتو» للدراسات، جاستن لوغان، أن يشكل القرار البريطاني «اختباراً لما يمكن أن يحدث عندما يتم رفع الغطاء، بمعنى أن القوات البريطانية كانت بلا شك تؤدي دوراً في منع حدوث مواجهات في جنوب العراق»، مضيفا أن البريطانيين «يرون أن الأمور لن تتحسن، أي إننا لن نتمكن من أن نفعل أكثر مما فعلنا، من أجل إقامة مجتمع ليبرالي أو علماني أو ديموقراطي» في العراق.