غزة، القاهرة ـ الأخبار
لم يسمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس جديداً خلال جولته الأوروبية، فالموقف من حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية لا يزال على حاله، والشروط الغربية لا تزال حائلاً دون اعتراف الدول الأوروبية بالحكومة المرتقبة، وبالتالي رفع الحصار عن الأراضي الفلسطينية

واصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس جولته الأوروبية التي قادته إلى ألمانيا وبروكسل، حيث التقى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والمنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، إلا أنه لم يفلح في الحصول على تعهد علني بدعم حكومة الوحدة الفلسطيني المرتقبة والمنبثقة من اتفاق مكة، في وقت رأى فيه رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل أن دولاً أوروبية ستفك الحصار عن الحكومة المرتقبة.
وقال عباس، في مؤتمر صحافي مشترك مع سولانا في بروكسيل، إنه مصمم على الدفع باتجاه استجابة حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المرتقبة لمطالب الغرب بالاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقات السابقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. وأضاف: “لم نغيّر موقفنا، لم نغيّر مبادئنا”.
وأوضح الرئيس الفلسطيني أن حركة “فتح”، التي يتزعمها، لا تزال “ملتزمة مبادئ حل إقامة الدولتين ونبذ العنف والإرهاب والتأكيد مجدداً على التزامنا بالاتفاقات الموقعة”.
من جهته، قال سولانا إنه يتعين على الاتحاد الاوروبي أن ينتظر ويرى حكومة الوحدة الفلسطينية المزمع تشكيلها. وتابع: “لا يمكننا مقاطعة ما هو ليس موجوداً، الحكومة لم تشكّل بعد”. إلا أنه شدد على أنه سيتعين على الإدارة الفلسطينية الجديدة بأن تستجيب للمبادئ الثلاثة. وقال إنه لا يزال من “المبكر جداً” التفكير في استئناف المساعدة المباشرة.
وحذّر سولانا من أن حكومة الوحدة الفلسطينية إما أن تصبح “جزءاً من الحل أو... جزءاً من المشكلة”. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي لم يقاطع الشعب الفلسطيني، مشدداً على أنه سيواصل مساعدته “وإن أمكن فسيزيد المساعدات المقدمة للفلسطينيين هذا العام”.
وكان عباس قد التقى في برلين أمس المستشارة الألمانية، التي دعت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى تلبية شروط اللجنة الرباعية الدولية.
وقالت ميركل، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع عباس: “نرحب بتشكيل حكومة وحدة وطنية، بشرط أن تلبي شروطاً محددة”. وأضافت أن “هذا يعني الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ووضع حد للعنف وقبول الاتفاقات الدولية، التي تم الاتفاق عليها بالفعل بما في ذلك من قبل حماس”.
ودعت ميركل عباس أيضاً إلى المساعدة في تأمين الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط كخطوة أولى نحو حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقالت إن “الإفراج عن شاليط قد يقود إلى اتفاق لتبادل السجناء بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومزيد من الخطوات الرامية لبناء الثقة بين الجانبين”.
واتفق عباس مع مطالب ميركل، لكنه أضاف أن إطلاق سراح شاليط “يجب أن يكون مرتبطاً بإطلاق سراح سجناء فلسطينيين”. وقال إنه يشدد على ضرورة إطلاق سراح شاليط وحل مسألة الصواريخ، مشيراً إلى أن تهدئة التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب أن تكون شاملة كما يجب بالمثل وقف تهريب الأسلحة.
ودعا عباس مجدداً إلى “رفع الحصار الجائر” المفروض على الحكومة الفلسطينية. وقال: “نبذل جهوداً لتسوية مشاكل شعبنا ورفع الحصار الجائر عنه. شعبنا يعاني منذ ثمانية أو تسعة أشهر ونرغب أن يتمكن من العيش بكرامة”.
ومن المقرر أن ينتقل عباس اليوم إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك، فيما برز موقف فرنسي منفتح، عبّر عنه وزير الخارجية فيليب دوست بلازي، الذي شدد على أن “من الضروري الاستماع إلى عباس ومساعدته”. وقال، في مقابلة مع اذاعة الشرق: “يجب أن نعتبر ما حصل في مكة خطوة نحو الاعتراف الصريح بإسرائيل”.
في هذا الوقت، قال رئيس المكتب السياسي لـ“حماس”، في مؤتمر صحافي في القاهرة: “هناك دول أوروبية قررت استئناف دعمها السنوي للحكومة الفلسطينية واتصلت بمسؤولين فلسطينيين”، رافضاً كشف أسماء هذه الدول. واضاف أن “الحصار جريمة، في الماضي كما اليوم، لا مبرر له، لكن بعد اتفاق مكة، وبعد تشكيل حكومة الوحدة، لا يجب أبداً أن يستمر الحصار لحظة واحدة”.
وتابع مشعل أن “العرب قادرون على كسر الحصار، ينبغي للمجتمع الدولي والعالم أن يدركا أن مرحلة ما بعد اتفاق مكة غير مرحلة ما قبل اتفاق مكة، ومن لا يدرك هذا التغيير يخطئ خطأً كبيراً”.
وقال مشعل إن “خريطة الطريق” انتهت، متهماً الإدارة الأميركية بالضغط على المجتمع الدولي لاستمرار الحصار على الأراضي الفلسطينية.
وأضاف مشعل إن “حماس” لم تغيّر مواقفها، مشيراً إلى عدم وجود أي موانع تحول دون اتفاق الفصائل الفلسطينية على برنامج سياسي موحد. وتابع: “طويت صفحة الخلافات وفتحت صفحة الاتفاق من خلال اتفاق مكة”. ورأى أن الاتفاق سيتيح دخول الأموال العربية إلى الأراضي الفلسطينية لفك الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب الفلسطيني.
وحول الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، قال مشعل إن إسرائيل هي التي تعطّل الافراج عنه، موضحاً أن جهوداً لا تزال تبذل من خلال مصر في هذا الإطار.
وكان لافتاً، أن خالد مشعل، في زيارته إلى القاهرة، لم يضع على برنامجه لقاء أحد من قيادات جماعة “الإخوان المسلمين”، التي تعتبر من وجهات نظر عديدة على علاقة وثيقة بحركة “حماس”.
وتعامل مشعل هذه المرة بشكل أقرب الى رجل دولة منه إلى زعيم تنظيم يطرح رؤية راديكالية. وبهذه الصورة الجديدة لم يكن من مصلحته استفزاز النظام، الذي يعلن حربه الكبرى على “الإخوان” هذه الايام.
وفي تفسير لامتناع الرئيس حسني مبارك عن الاجتماع بمشعل، قالت مصادر عربية، لـ“الأخبار”، إن مبارك سبق أن أبدى لـ“حماس” اعتراضه على الطريقة التي تتفاوض بها مع مصر من أجل تمرير صفقة تبادل الأسرى مع الحكومة الإسرائيلية، مشيرة إلى أن مبارك حمّل حماس مسؤولية تأخير التوصل إلى هذه الصفقة.
ولاحظت المصادر نفسها أن مصر تغير خطابها تجاه “حماس”، بعدما دأب وزير خارجيتها احمد أبو الغيط على توجيه انتقادات علنية إلى الحركة وتحميلها مسؤولية إضاعة العديد من الفرص لتحريك ملف عملية السلام المتعثرة في منطقة الشرق الأوسط والارتهان بتعليمات وأوامر واردة من دمشق وطهران.
إلى ذلك، عبّر رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية عن أمله في إجمال المشاورات وتحديد المعالم الرئيسية لحكومة الوحدة خلال الأسبوع المقبل. وأشار، في حديث إلى الصحافيين في مدينة غزة، إلى أنه سيعقد اجتماعاً مع “فتح” بحضور وفد من “حماس”، خلال الأسبوع المقبل، لتحديد محصلة المشاورات.