strong>معمر عطوي
لن تكون إيران المتضرر الوحيد من الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الاميركية على التعاملات التجارية والاستثمارية معها، في ضوء ما يظهر من انزعاج وسط شركات ومؤسسات اوروبية وأميركية، تضررت نتيجة هذا القرار.
بيت القصيد هنا يكمن في أن السياسة الأخيرة لطهران بتحويل عائدات النفط من الدولار الاميركي إلى اليورو الأوروبي والين الياباني، قد فتحت شهية المؤسسات المالية الأوروبية على استغلال هذا الوضع لمصلحتها اقتصادياً.
بيد أن تحذيرات نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني الجمعة الماضي، لكل من يقيم علاقات تجارية واستثمارية مع ايران، بأنه «سيواجه مشكلات في التعامل معنا في هذه المجالات»، ترك آثاره على حجم تعاملات الشركات العاملة.
هذا ما عكسته قيمة ضمانات القروض الائتمانية الألمانية لإيران، والتي تراجعت من نحو ملياري دولار في عام 2005 إلى نحو 715 مليون دولار في العام الجاري.
أما المصارف الفرنسية، فقد خفضت بدورها ائتماناتها لإيران من 5.7 مليارات دولار في عام 2005 إلى 3.8 مليارات دولار في نهاية العام الماضي، بينما ذكرت وزارة المال الأميركية أن نحو 40 مصرفاً معظمها في أوروبا، قد قلّصَت تعاملاتها المالية مع طهران استجابة لابتزاز الولايات المتحدة، حسبما ذكر تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الاثنين الماضي.
ومن المؤكد أن تذمُّر العديد من الشركات، لا سيما الالمانية منها، قد دفع مسؤولي الحكومة في برلين إلى تقديم شكوى إلى مسؤولي الإدارة الاميركية في واشنطن من هذه الضغوط، مشيرين إلى أنها لا تقع ضمن بنود قانون العقوبات الاميركي.
أما الشركات الأميركية فقد رأت أن هذه العقوبات تفوّت عليها فرصاً كبيرة في الاستثمارات النفطية في الجمهورية الاسلامية التي تستحوذ على 20 في المئة من احتياطي النفط في العالم أي 93 مليار برميل.
ولعل ما أشار إليه المكتب الألماني للتجارة الخارجية من تراجع في الصادرات الالمانية الى إيران على مدى الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بنسبة 18 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، يؤكد اهمية التعاملات المصرفية مع الجمهورية الاسلامية، خاصة من خلال تأكيده أن «انسحاب مصارف أوروبية سبب جزئي للتراجع الحاد في اتجاهات التصدير إلى إيران».
ومع ذلك، فقد صدرت الشركات الالمانية بنحو 4.12 مليارات يورو (5.9 مليارات دولار) لإيران العام الماضي. وحتى إذا تراجعت تلك الصادرات بمقدار الخُمس هذا العام، فإن حجمها سيزيد على 3 مليارات يورو.
وربما هذا ما دفع الجانب الاميركي الى بعث رسالة لألمانيا على لسان وكيل الخارجية الاميركية لمكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية ستيوارت ليفي، خاطب فيها المصارف الألمانية قائلًا «أوقفوا تعاملاتكم المالية وبسرعة».
من المرجح أن أهمية السوق الاوروبية لإيران وحاجة الشركات الاوروبية للمستهلك الايراني، يعودان الى ما باعته هذه الشركات للجمهورية الإسلامية من معدات تكنولوجية، لا يمكن طهران أن تؤمن قطع غيارها إلا من اوروبا نفسها، مع عجز دول مثل الصين وروسيا عن توفير قطع الغيار اللازمة لتشغيل هذه المعدات.
الجمهورية الاسلامية، التي تستشعر خطر المرحلة، ارادت عدم وضع البيض في سلة واحدة، فعملت على نقل تجارتها من الغرب إلى الشرق بانتظام، خصوصاً منذ قرار العقوبات 1737 الذي فرضه مجلس الامن عليها في كانون الاول من العام الماضي.
وزادت قناعة طهران في هذا الاتجاه، حين خسرت مراهنتها على «الحصان» الألماني في تعويض ما خسرته، لا سيما بعدما اعلن احد اكبر مصرفين في ألمانيا «دويتشه بنك» و«كوميرتس بنك» عن خفض تعاملاتهما مع طهران، التي كانت قد نقلت في الآونة الأخيرة بعض عائداتها بالعملة الاجنبية الى المصارف الالمانية، لتتجاوز في شهر أيار الماضي نحو 6.55 مليارات يورو، أي نحو 9 مليارات دولار، حسبما ذكر تقرير «واشنطن بوست».
وعزّز الخوف الايراني وقف شركات مثل «رويال» و«داتش» و«شيل» و«توتال» الفرنسية و«ايني» الايطالية المحادثات بشأن اتفاقات بشأن مشاريع جديدة في حقول الغاز والنفط الايرانية خلال السنوات الاخيرة.
الامر نفسه كان مع اليابان التي انسحبت من بعض مشاريع الطاقة في ايران.
لكن البدائل الإيرانية لهذه «الفجوة» الاقتصادية قد تكون في العالم العربي ـــــ الاسلامي وآسيا، حيث من المُرجَّح أن تحلّ المصارف الصغيرة ومؤسسات التمويل الإسلامية والمصارف الآسيوية محل المصارف الأوروبية التي تقاطع إيران، حسبما ذكرت وزارة المال الاميركية.
إلا أن جدوى هذه العقوبات، التي توّجتها الولايات المتحدة بعقوبات أحادية الجانب طالت أخيراً مؤسسات الحرس الثوري، والتي تمسك بمفاصل السياسة والاقتصاد في النظام الاسلامي، تحدث عنها المسؤول السابق في وزارة المال الأميركية جيفري سكوت قائلًا إن «واشنطن حقّقت بعض النجاح في حظر مؤسسات مالية كانت تشارك في قرارات تتخذها مصارف كبيرة لوقف أو تقليص الأعمال التجارية في إيران». لكنه أضاف «لا أعتقد أن مستوى التعاون الدولي أو التدخُّل سيُسفر عن نتائج ملحوظة ويحول دون أن تحقق إيران أهداف سياستها».
وربما كانت قناعة روسيا والصين غير بعيدة عن رؤية سكوت، اذ يرى البلدان اللذان يرفضان تشديد العقوبات على حليفتهما التجارية الاكبر في المنطقة، أن سياسة العقوبات هي إحدى مقدمات اندلاع حرب على الجمهورية الاسلامية.