strong>طوني صغبيني
موسكو تستعجل إنهاء البرامج المشتركة مع واشنطن!

في الوقت الذي تتصاعد فيه حدّة الجدل بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية عدد من القضايا الشائكة، ولا سيما مسألتي الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا والبرنامج النووي الإيراني، يستمرّ التعاون بين موسكو وواشنطن في مجال التكنولوجيا النووية، وحتى العسكرية منها، بطريقة اعتيادية، بحسب الاتفاقات العديدة الموقّعة بين الطرفين.
ويُعدّ التعاون الأخير منعطفاً كبيراً في سياسة البيت الأبيض، الذي رفض حتى عهد بيل كلينتون، أي نقاش في هذا المجال، على خلفية الدور الروسي في بناء مفاعل «بوشهر» الإيراني. لكن، وبحجة أن موسكو زادت تعاونها في السنوات الأخيرة في أنشطة الحد من الانتشار النووي، اعتمدت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش منهجاً مغايراً لسلفها. وقد يكون هذا التحول متأثراً بازدياد الاعتماد الأميركي على اليورانيوم الروسي إلى درجة كبيرة، يضاف إليه الخوف من وقوع التكنولوجيا النووية الروسية، في أيدي أعداء واشنطن.
ويبدو أن الجانب الروسي تحركّه الحاجة إلى التكنولوجيا والخبرة الأميركيتين في هذا المجال، بعدما ترهّلت مفاعلاته النووية وشبكة صواريخه الاستراتيجية عقب سقوط الاتحاد السوفياتي، ولا سيما أن البرامج عادة ما تكون أميركية التمويل.
والمحطة الأهم في التعاون الثنائي كانت عام 2002، بعد توقيع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جورج بوش لاتفاق خفض الرؤوس النووية من 2200 إلى 1700.
وفي عام 2005، أعلن الرئيسان من سلوفاكيا اتفاقاً نووياً جديداً تعهدا فيه «بتحسين تعاون البلدين لمواجهة أحد أكبر الأخطار التي نواجهها من أعدائنا، الإرهاب النووي».
ويهدف البرنامج إلى تحديث المنشآت النووية الروسية، وتحسين الإجراءات الأمنية فيها، ووضع خطط لمواجهة الحوادث النووية والتسرب الإشعاعي. كما نصّ الاتفاق على فقرة مثيرة، تتحدّث عن استبدال الوقود الثقيل الذي تستعمله دول العالم الثالث في منشآتها الروسية أو الأميركية الصنع، بوقود خفيف.
ويتيح الاتفاق، الذي يشرف عليه فريق مشترك يضمّ خبراء أميركيين من إدارة الأمن القومي النووي، تفتيش أكثر من 25 موقعاً سريّاً، منها قواعد صواريخ استراتيجية في الأورال، ومنشآت لتخصيب اليورانيوم وتصنيع الصواريخ النووية.
وأنهى هذا الفريق أول من أمس عملية تحديث شبكة الصواريخ الاستراتيجية الروسية (بلغت كلفتها 150 مليون دولار على نفقة واشنطن)، فيما تستمر المشاريع الأخرى على قدم وساق، ومنها تثبيت أجهزة كاشفة لليورانيوم على كامل الحدود الروسية، واستبدال ثلاثة مفاعلات نووية منتجة للبلوتونيوم في سيبيريا بمفاعل يعمل على الوقود الأحفوري.
وكشف عضو الفريق ويليام توبي، وهو مسؤول رفيع المستوى في «إدارة الأمن القومي النووي» الأميركية، لصحيفة «نيويورك تايمز»، عن أن تطبيق البرنامج متقّدم على الجدول الزمني المحدّد بسنتين على الأقل. ورأى أن ذلك «دليل على تلك النقطة المشرقة في العلاقات الأميركية ـــــ الروسية».
لكن انتهاء البرنامج قبل موعده، طرح أسئلة عديدة؛ ففيما يرى البعض أن ذلك يدلّ على صدق التعاون الروسي، الذي يعكس استقرار العلاقة بين البيت الأبيض والكرملين رغم تصريحات بوتين المعادية للتوجهات الغربية، يشير آخرون إلى أن هذه الخطوة تكشف الاستعجال الروسي لإنهاء البرنامج، بهدف اكتساب استقلالية أكبر في اتجاه «عسكرة» عملاق أوراسيا من جديد، للاضطلاع بدوره العالمي المتصاعد ثقله في الآونة الأخيرة.