حسام كنفاني
يثير اقتراح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بشأن إنشاء «كونسورتيوم» لتوزيع اليورانيوم المخضب على دول الشرق الأوسط الساعية إلى الاستفادة من الطاقة النووية، ولا سيما إيران، مجموعة من الأسئلة عن الأبعاد والموجبات وإمكانات نجاح مثل هذا الاقتراح في تحقيق أكثر من غاية خليجية وعربية.
• ما هي موجبات الاقتراح السعودي وغاياته؟
ـــــ ليس خافياً القلق الذي تثيره الأزمة النووية الإيرانية في الأوساط الخليجية على أكثر من مستوى. إذ إن دول شبه الجزيرة العربية تخشى امتلاك طهران للطاقة النووية، التي من شأنها الإخلال في ميزان القوى بين الدول المتشاطئة على الخليج، مع ما يعنيه ذلك من تأثيرات على الأقليات الطائفية في هذه الدول؛ فإيران النووية من شأنها أن تتحوّل بسرعة إلى دولة عظمى في المنطقة، ولا سيما أن الدول العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، تشكو من الآن النفوذ الإيراني المتعاظم في المحيط العربي والإسلامي، الذي تحتل فيه السعودية الصدارة حالياً.
ومثل هذا النفوذ السياسي لا بد أن يكون مصحوباً بنمو عسكري، بدأ أصلاً يظهر على الساحة الإيرانية، وهو ما يثير حفيظة المحيط الخليجي، الذي يعاني من خلافات حدودية مع طهران، ولا سيما جزر الإمارات، إضافة إلى ما أثير أخيراً عن تاريخ «فصل» البحرين عن إيران.
في المقابل، تخشى دول الخليج أيضاً أي عملية عسكرية قد تلجأ إليها الولايات المتحدة وحلفاؤها لحسم أزمة الملف النووي الإيراني. وهي تدرك جيداً، بناء على التحليل وعلى أكثر من تصريح لمسؤولين عسكريين إيرانيين، أن أي حرب مقبلة في المنطقة ستكون دول الخليج أكثر المتضررين منها عسكرياً واقتصادياً، ولا سيما أنها غالبيتها يؤوي قواعد أميركية على أراضيه، وبالتالي ستكون مشاركة رغماً عنها في المعركة المفترضة.
• هل من الممكن أن تقبل إيران العرض السعودي؟
ـــــ بحسب ما نقلت مجلة «ميدل ايست ايكونوميك دايجست» (ميد) أول من أمس، عن الوزير السعودي، فإن الإيرانيين «ردوا بأنها فكرة مثيرة للاهتمام وأنهم سيعودون للتحدث فيها». لكن بالقياس على اقتراحات سابقة في السياق نفسه، من غير المرجّح أن تجد هذه المبادرة سبيلها إلى النجاح.
فموسكو كانت قد سبقت إلى مثل هذا الاقتراح في عام 2005، عندما عرضت إنشاء مؤسسة روسية ـــــ إيرانية لتخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية. غير أن مثل هذا العرض جوبه برفض «مهذب» من إيران، صدر حينها عن الناطق باسم وزارة الخارجية حميد رضا آصفي، الذي أعلن استعداد بلاده «بحث أي اقتراح يعترف بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها»، مشيراً إلى أن طهران «متمسكة بمثل هذا الحق».
من عام 2005 إلى اليوم، لم تظهر إشارات إلى أن الموقف الإيراني قد تغيّر. و«التمسّك بحق التخصيب» يزداد تشدّداً مع التغييرات في تركيبة السياسة الداخلية الإيرانية.
والاقتراح السعودي يحمل في طياته أيضاً عامل فشل آخر، ولا سيما أن الفيصل تحدّث في اقتراحه عن «تزويد دول الشرق الأوسط باليورانيوم المخصّب»، وهو ما يوحي بأن الاقتراح شمولي، ومن المفترض أن يشمل إسرائيل أيضاً.
والرفض الإسرائيلي، وهو المرجّح، سيمنح إيران مبرراً لعدم التجاوب مع العرض السعودي؛ فبقاء إسرائيل خارج السرب النووي الشرق أوسطي قد يكون مبرّراً لعدم الدخول الإيراني بذريعة سياسة «الكيل بمكيالين».
• هل من غايات أخرى للمقترح السعودي؟
ـــــ السعي الخليجي إلى محاولة حلّ الأزمة النووية الإيرانية يمكن تصنيفه جزءاً من «الأمن القومي الخليجي». لكن الاقتراح يمكن أن يدرج في سياق خليجي آخر أيضاً، وهو ما أعلنته قمّة مجلس التعاون الأخيرة عن الاستعداد للجوء إلى الطاقة النووية للأغراض السلمية، وهي بالتالي تبحث عن مورّد لليورانيوم يتيح لها غاياتها الإنمائية، ويوفر عليها «عناء» بناء مشروع نووي متكامل.
• ما هي فرص نجاح مثل هذه الغاية؟
ـــــ المشروع النووي الخليجي المفترض أسال لعاب العديد من الدول النووية، ولا سيما موسكو، التي وجدت في التوجه فرصة استثمارية جديدة، قد تكون موطئ قدم روسية في الخليج. وبناء عليه، صدر أمس الرفض الصريح من مدير الوكالة الفدرالية الروسية للطاقة الذرية، سيرغي كيريينكو، الذي رأى أن مثل هذه المراكز «لا بد أن تكون في بلدان تمتلك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم بشكل كامل»، وذلك ردّاً على اقتراح الفيصل سويسرا مكاناً لـ«كونسورتيوم».