موسكو ــ حبيب فوعاني
روسيا نحو هيمنة حزبين يتنافسان على «الكرامة الوطنيّة»

يشهد اليوم انطلاق الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية الروسية المقرّر إجراؤها في الثاني من كانون الأوّل المقبل. حملة تمثّلت المفاجأة الكبرى فيها بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين قبِل اقتراح حزب «روسيا الموحّدة» بتزعم لائحة مرشحيه إلى مجلس الـ«دوما» الذي يضمّ 450 مقعداً.
يجب القول إنّ هذه الخطوة الدراماتيكية أفقدت الانتخابات عنصر الترقب. إذ لا أحد يشكّ في أن حزب «روسيا الموحدة»، الذي يؤكّد أنّه هو مَن سينفّذ «خطة بوتين» التي لا يعرف عنها أحد شيئاً، سيحرز انتصاراً باهراً، وسيتمكّن من تشكيل أكثريّة نيابية ساحقة.
ووفقاً لتنبؤات محلّلي مركز دراسة الرأي العام، «فتسيوم»، ستدخل إلى الـ«دوما» 4 أحزاب. فإضافة إلى «روسيا الموحدة»، هناك الشيوعيون بزعامة غينادي زيوغانوف، واللبراليون الديموقراطيون بزعامة فلاديمير جيرينوفسكي، و«روسيا العادلة» بزعامة رئيس مجلس الاتحاد (الغرفة العليا من البرلمان الروسي) سيرغي ميرونوف.
وفي الوقت نفسه، يرى علماء الاجتماع أنّ الحزبين اللبراليّين، «اتحاد القوى اليمينية» و«يابلوكو»، لن يتجاوزا حاجز نسبة الـ7 في المئة من الأصوات الضرورية للوصول إلى البرلمان.
وفي استطلاعات للرأي نشرتها صحيفة «روسيسكابا غازيتا» الروسية الرسمية حديثاً، ظهر أنّ بين 44 في المئة و54 في المئة من الناخبين الروس مستعدّون للتصويت لمصلحة مرشّحي «روسيا الموحدة». وكشفت أيضاً عن أن 7 في المئة من الناخبين يؤيّدون «الشيوعي»، يليه «الحزب اللبرالي الديموقراطي» بتأييد يبلغ 5 في المئة، ثم «روسيا العادلة» بنحو 4 في المئة.
وبعد الضربة التي تلقّاها «روسيا العادلة»، الحزب اليساري الموالي للكرملين، بخطوة بوتين ترؤّس «روسيا الموحّدة»، ربما بات يمكن اعتبار نشر نتائج هذا الاستطلاع إعداداً للرأي العام الروسي للتعوّد على نظام الحزبين، وهو ما يعني أن الشيوعيّين سيكونون المنافسين اليساريّين الوحيدين لحزب السلطة. ويأتي ذلك في ظل أفول شعبية «اللبرالي الديموقراطي».
وتزامن بدء الحملة الانتخابية مع الاحتفال بالذكرى التسعين للثورة البلشفية في 7 تشرين الثاني. وينوي «الشيوعي» استخدام المناسبة الملائمة لتقديم «خطته» البديلة عن «خطة بوتين». فقد أعلن زيوغانوف عن دعوة ممثلي 80 حزباً شيوعياً ويسارياً من جميع أنحاء العالم إلى العاصمة الروسية للمشاركة في الاحتفال، حيث سينطلقون الثلاثاء المقبل من دار النقابات وسط موسكو في مسيرة من ساحة بوشكين إلى ساحة المسارح تنتهي بحفل غنائي وموسيقي ضخم.
وفي حقيقة الأمر، فإنّ مؤتمر «الشيوعي»، الذي عقد في 24 أيلول الماضي، كان قد أقرّ برنامج زيوغانوف المسمّى «سبع خطوات نحو غد كريم»، لتنفيذه في حال فوز الحزب بالسلطة. وبين الخطوات المنوي تنفيذها هناك «تأميم الفروع الاستراتيجية للاقتصاد»، و«إصلاح التشريعات» والأهّم: «كلّ السلطة للسوفيات». وسيعرض الحزب مشروع دستور جديد على المواطنين الروس للتصويت عليه، «سيكفل نقل السلطة إلى مجالس الكادحين»،
وتقديم هذا البرنامج باسم جديد يهدف إلى التنويه بمواجهة «الشيوعي» لحزب السلطة، الذي يرفع شعار «خطة بوتين: انتصار لروسيا»، من خلال شعار موازٍ هو «خطة الحزب الشيوعي... هي خطة الشعب». بيد أنّ المنافسة الانتخابيّة لا تعني خلافاً إيديولوجياً مبدئياً بين الحزبين؛ فالكثير ممّا تطبّقه السياسة الحكومية الروسية المعاصرة في المجال الاقتصادي مثلاً مأخوذ من القاموس الشيوعي.
في السياق، يؤكّد المدير العام لمركز التنبؤات السياسية، ميخائيل فينوغرادوف، أنّ حزب السلطة قد استعار عدداً من النقاط الإيديولوجية، مثل تعزيز دور الدولة في الاقتصاد، من «الشيوعي». ويقول إنّ «روسيا الموحدة قام باستمالة ناخبي الحزب الشيوعي، وجرى ويجري بالطبع استنساخ بعض شعاراته، وخصوصاً في مجال الخطاب الاجتماعي واقتصاد الدولة».
من جهته، يرى نائب مدير «معهد الأبحاث العلمية للأنظمة الاجتماعية»، دميتري بادوفسكي، أنّ «السلطة أدركت أن مطالب الرأي العام ووعيه يعدّان رئيسيّان»، إذ إنّ «غالبيّة الاستفتاءات الاجتماعية تظهر حتى الآن أن المسألة الرئيسيّة فيها هي المساواة الاجتماعية ورد الفعل عليها».
بوتين تعلّم الدرس جيداً من أخطاء الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، والرئيس الروسي الأوّل بوريس يلتسين، و«انبطاحهما» الكامل أمام الغرب، وهو ما أدّى إلى هبوط شعبيّتهما لدى المواطنين الروس. واستعار الكثير من شعارات «الكرامة الوطنية»، التي يرفعها الشيوعيون، الأمر الذي جعل مؤشّر شعبيّته بين المواطنين لا يهبط عن نسبة 80 في المئة.
وفيما لا تنفكّ الرأسماليّة على الطراز «البوتيني» تبهر الداخل والخارج، من خلال شعارات «الكرامة»، التي تتجلّى جذريّتها في خطاب «الشيوعي»، لن تنتهي الحملات الانتخابية في روسيا بعد اختيار البرلمانيّين، فانتخابات الرئاسة في آذار المقبل.