strong> ربى ابو عمو
بدأت تداعيات «التسونامي السياسي» بالظهور على المسرح الياباني، بعد الفوز غير المسبوق للحزب الديموقراطي المعارض بغالبية مقاعد مجلس المستشارين، الذي يعدّ المجلس الأعلى في البرلمان، على حساب الحزب «الليبرالي الديموقراطي» الحاكم.
أول هذه التداعيات يتمثّل في الواجهة السياسة الخارجية لليابان، وخصوصاً التحالف مع الولايات المتحدة، قبطان مكافحة الإرهاب؛ إذ أمرت طوكيو سفنها البحرية أول من أمس بالانسحاب من مهمة معاونة العمليات العسكرية التي تقودها واشنطن في أفغانستان، نظراً لانتهاء المهلة المحدّدة لها وفشل رئيس الوزراء، وزعيم الحزب الليبرالي، ياسو فوكودا، في تمرير قانون تمديد مهمتها في البرلمان.
مثل هذه الخطوة تفتح الطريق أمام خطوة أكبر تتمثّل في احتمال انسحاب القوات اليابانية من العراق، نتيجة ضغط المعارضة التي حققت هدفها الأول في أفغانستان و«كسرت أنف» رئيس الوزراء.
وعلى مدى ست سنوات، قدّمت اليابان وقوداً ومياهاً بقيمة 190 مليون دولار للسفن الأميركية. ولم يُفلح اللقاء الثنائي بين فوكودا وزعيم الحزب المعارض، ايتشيرو اوزاوا، في التوصّل لاتفاق يرضي الطرف الأضعف عددياً وجماهيرياً. إلاّ أن الحزب الليبرالي ينتظر زيارة وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى طوكيو الأسبوع المقبل، وقمة فوكودا والرئيس الأميركي جورج بوش، المرجّحة في 16 الشهر الجاري في واشنطن، علّه يستعيد بعض رصيده السياسي، ويطمئن الولايات المتحدة إلى استمرار تحالفهما.
موقف الولايات المتحدة لم يكن صارماً حيال هذا القرار؛ إذ اكتفت، في ردة فعل أولى، بحث اليابان على إعادة النظر في قرارها. ورأت وزارة الدفاع الأميركية أن انسحاب اليابان لن يؤثّر على الدوريات التي تقوم بها في المحيط الهندي.
ويمثّل القرار ضربة قوية لطموحات الحكومة اليابانية في تعظيم دورها العالمي‏‏ وتعزيز تحالفها الأمني والاستراتيجي مع الولايات المتحدة، من خلال سعيها إلى إجراء تعديلات جوهرية على الدستور الياباني السلمي لتوسيع دورها العسكري في العالم‏.‏ كما يتوقّع أن يكون القرار تحدياً حقيقياً لمستقبل «الحزب الليبرالي الديموقراطي» وتماسكه‏، ‏وخصوصاً في ظلّ احتمال اللجوء إلى انتخابات مبكرة لمجلس النواب لحسم الصراع بين الحزبين، وهي الخطوة التي يحاول نواب الحزب الحاكم تجنبها.
ويستند الحزب المعارض في رفضه تمديد المهمة في أفغانستان إلى عدم حيازتها تفويضاً من الأمم المتحدة. كما أنها تمثّل خرقاً للدستور، الذي خطّته الولايات المتحدة، ويمنع اليابان من خوض حروب خارجية.
ويمكن القول إن هذه التبريرات تنسحب على وضع القوات اليابانية في العراق، التي ترفض المعارضة بقاءها. ويتجلّى هذا الموقف في إعلان رئيس الحزب الديموقراطي إعداد مذكرة تنص على وقف القانون الخاص الذي أتاح لقوات الدفاع الجوي الياباني القيام بمهام المساعدة في بلاد الرافدين، لكونها تشارك في الحرب، على أن تُرفع خلال الدورة الشتوية المقبلة للبرلمان.
ولا يمكن غضّ النظر عن الوضع السياسي المضطرب في اليابان نتيجة الاستياء الشعبي من تخبط حكومة رئيس الوزراء السابق شينزو ابي في التعامل مع عدد من المسائل الحساسة، كفضيحة سوء إدارة سجلات معاشات التقاعد، وتورّط وزرائه بقضايا الفساد المالي والإداري، ما‏ أدى إلى استقالة وزيرين وانتحار ثالث، واستقالة رئيس الوزراء نفسه. هذا بالإضافة إلى قدرة الحزب المعارض على مواجهة الحزب الحاكم بغالبيته العددية لفرض معادلة سياسية جديدة من شأنها إخراج اليابان عن سكة الولايات المتحدة.