strong>بدأت شائعات وتحذيرات وانقلبت واقعاً. لقد فعلها الجنرال برويز مشرف مجدداً ونفّذ «انقلاباً ثانياً»، تحت عنوان «الطوارئ» وما تستتبعه من تأجيل للانتخابات التشريعية. الحجة كانت أن الوقت «لا يسمح بجو ديموقراطي»، ومحاربة التطرف تستلزم وضعاً استثنائياً. خطوة أربكت «سنده الدولي»، واشنطن، كما الشريكة المفترضة في المصالحة الوطنية رئيسة الحكومة السابقة بنازير بوتو

انقطعت الكهرباء وخطوط الهواتف. وتوقفت المحطات التلفزيونية عن البث. القوات الأمنية أحاطت مقرّي المحكمة العليا والبرلمان. ونُصبت الحواجز في الطرقات المؤدية إلى مقرّ إقامة النوّاب والقضاة. كلها خطوات جاءت تنفيذاً لإجراءات «حالة الطوارئ»، التي فرضها الرئيس الباكستاني أول من أمس، والتي وصفها بعض المحللين السياسيين بـ«فرض للقانون العسكري».
وبموجب «حالة الطوارئ» تلك، التي لا ينص عليها الدستور الباكستاني الذي عُلق العمل به، ينبغي على قضاة المحكمة العليا أن يُطيعوا «الأمر الدستوري» ومن يخالفه يُفصل. 7 من قضاة المحكة الـ11 اعتصموا داخل مبناها، رافضين القرار الذي رأوا أنه «غير دستوري»، وأصدروا قراراً مناوئاً دعوا فيه القوات العسكرية إلى عدم التزام قرار مشرّف. ولكن بعد ساعات، أعلنت وسائل الإعلام دعم 3 قضاة لقرار مشرّف، كما أعلنت استبدال رئيس المحكمة العليا إفتكار شودري بـعبد الحميد دوغر.
في هذا الوقت، شنّت السلطات حملة اعتقالات واسعة شملت القيادات الأساسية في صفوف المعارضة، وبينهم البطل السابق في الكريكت، عمر خان، الذي وضعته قيد الإقامة الجبرية. كذلك فعلت بشخصيات عديدة من المعارضة وبمحامين مقرّبين من شودري. وأُعتقل أيضاً أمس رئيس حزب الرابطة الإسلامية، جناح رئيس الوزراء السابق المنفي نوّاز شريف، جواد هاشمي.
وقال رئيس الوزراء شوكت عزيز إن عدد الموقوفين في البلاد منذ إعلان حالة الطوارئ وصل إلى ما بين 400 و500، مشيراً إلى إمكان إرجاء الانتخابات التشريعية عاماً واحداً. لكنّه أضاف إنّ «حكومته لم تأخذ قراراً بعد بهذا الصدد، إذ يمكن أن يحصل تأجيل في الجدول الزمني للانتخابات».
وكان نائب وزير الإعلام الباكستاني طارق عظيم قد أعلن في وقت سابق أن «الانتخابات ستجري، لكن المواعيد قد تتغير بسبب حال الطوارئ».
ومع حلول مساء يوم السبت خرج مشرف على شاشات التلفزة ليبرّر ما فعل قائلاً إن الخطر المتأتي من «التطرّف الإسلامي» يُحدق بباكستان وحكومتها التي ترزح أمام منعطف «خطير»، فلقد وصل «التطرّف إلى إسلام أباد، وأمسك المتطرّفون بزمام الأمور، وأكثر فهم يفرضون أفكارهم البالية على المعتدلين».
وتابع مشرّف، ذاكراً السبب الثاني الذي دفعه لإعلان حالة الطوارئ، ألا وهو المحكمة العليا التي أوقفت إعلان إعادة انتخابه رئيساً بعد فوزه الأخير في الانتخابات ولأنها «تشلّ جزئياً» عمل الحكومة.
وكان من المقرّر أن تصدر هذه المحكمة خلال أيام قرارها النهائي في شأن استحقاق مشرّف المنصب الرئاسي قبل انتهاء مهلة ولايته الدستورية في 15 تشرين الأول الجاري.
وشدد مشرف، في شرحه لاستراتيجيته المقبلة، على أنه «حان وقت العمل، لقد درست الوضع جيداً للحؤول دون الانزلاق.. علينا أن نحقق الانسجام بين الأجهزة القضائية والتشريعية والتنفيذية لنؤمّن الحكم الجيد، ونتصدّى لقضايا الإرهاب بطريقة أفعل».
ولم يحدّد مشرّف متى ستنتهي حالة الطوارئ أو موعد الانتخابات التشريعية المقلبة، بل قال فقط إن «المجلس سيُكمل ولايته».
إعلان أربك واشنطن، التي أعربت عن استيائها منه من دون أن تصل حد إدانته، رغم مطالبتها مشرف بإعادة المسار الديموقراطي وعدم اتخاذ أي إجراءات زجرية في حق المعارضة. إرباك حسمته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أمس بإعلانها أن واشنطن لا تدعم هذه الإجراءات الـ «ما فوق دستورية»، ولذلك «سيُعاد النظر بالمساعدات المالية المقدّمة إلى باكستان، لكن ليس تلك المتعلّقة بمكافحة الإرهاب»، في إشارة إلى المساعدات العسكرية التي تجاوزت الـ 10 مليارات دولار منذ 2001.
ومعروف أن مشرف حليف أساسي للولايات المتحدة في الحرب التي تشنها على «الإرهاب»، وهي غير قادرة على التخلي عنه. لكن في الوقت نفسه يبدو أنها لا تستطيع تحمل عبء دعم إجراءاته الأخيرة.
أما رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة، بنازير بوتو، فقد سارعت إلى العودة من دبي، حيث كانت في زيارة لعائلتها. وفور وصولها كاراتشي، وصفت هذه الحالة بـ«أسود يوم» في تاريخ باكستان، واتهمت مشرف بأنه يتذرّع بـ «الإرهاب» للاحتفاظ بالسلطة. كما أعربت عن قلقها على الانتخابات التشريعية المرتقبة لأنه «لن تكون هناك انتخابات عادلة إذا ما استمرت حالة الطوارئ»، التي رأت أنها فرض للقانون العسكري لا الطوارئ.
وتكافح بوتو، كما تدّعي، من أجل «الديموقراطية» وكثيراً ما اعترضت على ما سمّته «الديكتاتورية العسكرية» التي يحكم من خلالها مشرف. وقالت إن «أزمة البلاد هي الدكتاتورية، وطبعاً الحل لن يكون الدكتاتورية التي يسعى إليها المتطرّفون».
وأمام هذا الوضع المعقد بالنسبة إلى بوتو، يدور التساؤل عن كيفية المواجهة في الأيام المقبلة، لأن فرض حالة الطوارئ أسقط عملياً اتفاق تقاسم السلطة الذي كانت تسعى إلى إتمامه مع مشرّف، وعرقل مساعيها لخوض الانتخابات التشريعية والعودة إلى السلطة كرئيس حكومة للمرة الثالثة.
ويقول مراقبون إن بوتو مجبرة على المواجهة وإلّا فستخسر مشروعيتها كزعيمة معارضة. في المقابل، إذا فشلت في تنظيم تظاهرات تغيّر المعادلة، فستكون مهددة بالسجن أو النفي.
ميدانياً أفرج المتمرّدون أمس عن نحو 200 جندي كانوا قد احتجزوهم في 31 آب الماضي في المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)