strong> طوني صغبيني
ليست إيران الدولة الأولى في العالم التي تطرق أبواب النادي النووي، لكنها من دون شكّ الحالة المرشّحة لأخطر تصعيد في المنطقة. وفي ظلّ غموض احتمالات الحرب والسلم، إذا ما استمرّت وتيرة التصعيد المتبادل بين طهران وواشنطن، تتجه الأنظار إلى «نموذج الحلّ الكوري الشمالي»، الذي أنهى عقوداً من التوتر في شرق آسيا، كمثال لإنهاء الأزمة المتفاقمة.
وتمثّل هذا النموذج بتقديم حزمة كبيرة من المساعدات الغذائية والمالية، وأخرى تتعلق بالطاقة، والاعتراف بحق بيونغ يانغ في التقنية الذرية السلمية، ووعدها بشطبها من لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وتطبيع علاقاتها مع كوريا الجنوبية واليابان، في مقابل وقف شامل للبرنامج النووي العسكري، وتفكيك المنشآت وفتح أبوابها لتفتيش كامل.
ورغم أن الواقع الجيو ـــــ سياسي لكلّ من كوريا الشمالية وإيران، يختلف لدرجة تجعل من الصعب إجراء مقارنة واقعية بينهما، يؤكّد الخبراء أن الجمهورية الإسلامية «تدرس نجاح بيونغ يانغ أو فشلها في الخطوات التي تردّ فيها على مطالب المجتمع الدولي في ما يتعلق ببرنامجها النووي».
ويقول روبرت أينهورن، وهو أحد المسؤولين السابقين عن قضايا الحدّ من الانتشار النووي في البيت الأبيض، «لن أتفاجأ إذا قال (الرئيس الإيراني أحمدي) نجاد وباقي المتشددين في النظام (الإسلامي): لمَ لا نتراجع في اللحظة الأخيرة؟ عندما تنظر إلى الكوريين الشماليين ترى أنهم هُددوا وتابعوا (برنامجهم)، وفي المحصلة لم يكن ذلك مقاربة خاسرة لهم».
غير أن المقاربة الإيرانية للتجربة الكورية لا تقتصر على النووي، الذي يبدو حلقة واحدة من سلسلة مطالب بين الطرفين، يصعب جمعها في «صفقة كبرى» تاريخية تنهي الأزمة.
فإيران قوة إقليمية صاعدة في منطقة القلب بالنسبة للمصالح الأميركية في العالم، مقارنة مع الدور المحدود لبيونغ يانغ كلاعب خلفي للصين في شرق آسيا، التي تحلّ في مراتب متأخرة في سلّم أولويات الأمن القومي الأميركي.
وترى واشنطن أن المناوشات المكلفة في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين مع طهران، جعلت الأخيرة «التحدي الأكبر» للأمن الأميركي، بحسب تعبير وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس. وبعكس الحالة الكورية، تبدو المواجهة بين الطرفين حتمية ومباشرة. وفيما يخطط البيت الأبيض لاحتلال «طويل الأمد في العراق لتأمين استقرار المنطقة والمصالح القومية الأميركية»، كما أعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أخيراً، ينظر النظام الإسلامي إلى السياسة الأميركية بعين العداء للمنطقة والمصالح الإيرانية.
وتنسحب هذه المواجهة على مسائل عديدة تزيد من عرقلة الحل الدبلوماسي:
ـــــ لا يبدو أن إيران، التي تمتلك نحو 20 في المئة من احتياطي النفط العالمي، ستتخلّى بسهولة عن برنامجها الذي تعوّل عليه لاكتساب استقلالية في الطاقة، تتناسب وطموحاتها الإقليمية، الأمر الذي يزيد من إصرار واشنطن، التي تخشى تضاعف الدور الإيراني.
ـــ إن قدرة إيران الغنية على تحمّل العقوبات تفوق كثيراً قدرة كوريا الشمالية الفقيرة، فضلاً عن ضعف العقوبات نفسها، في ظلّ تخوّف الشركات الأوروبية والأميركية من خسارة السوق الإيرانية الكبيرة، وحلول الشركات الآسيوية والصينية والروسية مكانها. كما أن استمرار ارتفاع أسعار النفط ينعش الموازنة الإيرانية.
ـــــ إصرار واشنطن على تغيير النظام في طهران، الحلّ الأقل كلفة والأكثر إفادة لها، ما يجعل من شبه المستحيل ردم هوّة الثقة بين الطرفين، علماً بأن التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية ما كان ممكناً لو لم يتضمن بنداً غير معلن تمثّل بحذف استبدال النظام الشيوعي من جدول الأعمال الأميركي. ويرى عدد من مسؤولي البيت الأبيض أن المشكلة هي في «طبيعة النظام الإيراني»، على حد تعبير نائب الرئيس ديك تشيني. ويقول الباحث في الشأن الإيراني في مركز «مجموعة الأزمة الدولية»، كريم سدجدبور، إن سياسة واشنطن تهدف «إلى جعل ساعة تغيير النظام تتحرك أسرع من ساعة النووي. حساباتهم تفترض أن اكتساب إيران للتكنولوجيا النووية هو أمر حتمي بحدود عشر سنوات، ويريدون التأكد من أن ذلك سيتم في ظلّ نظام إيراني مختلف، صديق للولايات المتحدة».
ــــ عدم وجود وسيط دولي مقبول من الطرفين لدفع المفاوضات، كالصين التي لم يقتصر دورها على الوساطة، بل ضغطت على بيونغ يانغ للقبول بالحل، إثر خوفها من سباق تسلح جديد في الشرق الأقصى.
ــــ نشاط اللوبي اليهودي وعدد من صقور الإدارة المتزايد في أروقة البيت الأبيض والكونغرس، الذي يدفع باتجاه ضرب إيران منذ التسعينيات، الأمر الذي بدا واضحاً في عدد من القرارات، كالعقوبات الأخيرة بحق الحرس الثوري الإيراني.
ويضيف الخبراء الاقتصاديون مسألتي الضعف المستجدّ للدولار، الذي فاقمه الإعلان الإيراني عن تحويل جميع التعاملات النفطية إلى اليورو والين وعملات أخرى، ومشاريع أنابيب النفط العديدة مثل مشروع «يونوكال» الذي يمّر في الأراضي الإيرانية، إلى الأسباب التي تزيد الإدارة الأميركية تحرّقاًً لمواجهة النظام الإسلامي.
وفيما تصعّب كلّ هذه الأسباب التوصّل إلى «صفقة كبرى»، يرى بعض المحللين أن الاستراتيجية الإيرانية تقضي بالاستفادة من ارتفاع أسعار النفط وانتشار الفوضى إلى الحدود القصوى، ثم الدخول في مفاوضات يستطيعون فيها فرض شروطهم الخاصة، عندما يشعرون أن المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة باتت حتمية.