حسام كنفاني
خرجت زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس لإسرائيل والأراضي الفلسطينية بموعد «شبه رسمي» للمؤتمر الدولي للسلام ليكون في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني الجاري، وهو الموعد الذي كان أُعلن مع بداية الحديث عن هذا المؤتمر.
إلا أن الشك لا بد من أن يحيط إمكان عقد اللقاء الدولي في هذا التاريخ، ولا سيما أن المدة الفاصلة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، وهي بالتأكيد لن تكون كافية لتذليل العقبات أمام الوثيقة المشتركة الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية المقرّر عرضها خلاله.
وعلى رغم حديث الرئيس الفلسطيني عن «تقدّم» في مسار التفاوض مع الإسرائيليين، إلا أن «العقبات» لا تزال تقف حائلاً دون التوصل إلى وثيقة في هذا الوقت القياسي نسبياً، وخصوصاً أن القضايا العالقة أكثر بكثير من المواضيع التي اتُّفق عليها.
وخلال زياراتها المكوكية للمنطقة، لم تنطق الوزيرة الأميركية بأي عبارة تفاؤلية سوى التوقعات والآمال، بغض النظر عن الشروط التعجيزية التي أخرجتها إسرائيل أخيراً من «قبعة» المفاوضات، إن لجهة تقديم الأمن على الدولة أو إعادة عقارب الساعة التفاوضية إلى المرحلة الأولى من خريطة الطريق.
وإلى الآن، يبدو أن الاتفاق الواضح بين الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين يقتصر على «عمق الهوة» التي تفصل مواقف الطرفين الأساسيين في مؤتمر السلام. وما دام لم يصدر أي شيء يناقض ذلك، فإن هذه الهوة سترافقهما إلى مؤتمر أنابوليس، فإضافة إلى افتقار الاجتماع الدولي إلى معطيات رسمية عن المشاركين فيه وإلى برنامج عمل واضح تحكمه القضايا العالقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، المعروفة باسم «قضايا الوضع النهائي» التي لم تجد طريقها إلى المفاوضات الثنائية منذ كامب ديفيد إلى اليوم.
وفي مقدم هذه القضايا تأتي حدود الدولة التي يريدها الفلسطينيون على كامل مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة، بعدما قبل الرئيس محمود عباس أخيراً بفكرة تبادل الأراضي، على أن تتمتع بكل صفات السيادة، بينما تطالب إسرائيل بأن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح وأن تراقب مجالها الجوي وحدودها الخارجية، وترفض العودة الى حدود حزيران 1967، وتريد ضم مناطق توجد فيها أبرز المستوطنات في الضفة.
ووضع القدس المحتلة يمثّل أعقد مسائل التفاوض، على رغم المبادرات المتعدّدة الأطراف المطروحة للتداول، فبينما تطالب السلطة بأن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، يعرض الإسرائيليون التنازل عن بعض الأحياء في القدس الشرقية، وتأجيل بتّ وضع الحرم القدسي.
ويمثّل اللاجئون حائط السدّ في وجه أي مفاوضات مستقبلية، مع تمسّك إسرائيل برفض «حق العودة» لأكثر من أربعة ملايين لاجئ، وتعلن في المقابل موافقتها على استقرار اللاجئين في الدولة الفلسطينية المستقبلية، وهو ما يمثّل مشكلة ديموغرافية لأي دولة ستقوم في المستقبل.
هذه النقاط اليوم تمثّل خلافاً جوهرياً لا يمكن التوصّل إلى بنود حلّها خلال الأيام التي تسبق المؤتمر الدولي، ناهيك بالتفاصيل الحياتية المرتبطة باستمرارية الدولة، كالمعابر والممر الآمن والضرائب وتقاسم المياه. والإدارة الأميركية تدرك من دون شك أن الطريق إلى نجاح المؤتمر الدولي لا بد من أن يمر في اتفاق إطار مسبق على النقاط العالقة قبل نقلها إلى أنابوليس، وبالتالي تدرك أيضاً أن الهدف المعلن للمؤتمر لا بد من أنه سيلقى الفشل، ولا سيما أن الوضع السياسي للفلسطينيين والإسرائيليين لا يسمح في الوقت الراهن بإبرام اتفاق سلام نهائي، فالساحة السياسية الفلسطينية تعيش انقساماً غير مسبوق أنتج فصلاً جغرافياً لا يخوّل عباس اتخاذ قرار حاسم ينهي القضية الفلسطينية. وأولمرت من جهته يعاني أزمة ائتلاف حكومي، إضافة إلى انهيار رصيده الشعبي، بحيث لا يستطيع تمرير اتفاق لا يرضي شركاءه المتشددين اليمينيين.
على رغم ذلك، تمضي الإدارة الأميركية في خطتها، موحية أن مجرد عقد المؤتمر أكثر أهمية مما سيسفر عنه، تُحرّكها، على ما يبدو، رغبة حثيثة في جعل هذا المؤتمر تكريساً لتحالف جديد في المنطقة يضم السعودية والأردن ومصر، إضافة إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تحالف يحاكي «تحالف الراغبين» الذي ألّفته قبيل غزو العراق، لكنه هذه المرة يضم «ضعفاء»... تمهيداً للخطوة الأميركية التالية نحو إيران.