حيفا ــ فراس خطيب
منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وتحديداً منذ عام 1973، كانت وحدة الرقابة العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي، ومن داخل منشأة سرية تقع تحت الأرض في مركز في تل أبيب، تتنصت على جميع المكالمات الدولية التي أجراها صحافيّون أجانب مع دولهم ضمن عملهم. لم يسلم أيّ منهم من شبكة الرقابة، حيث كان في مقابل كل صحافي أجنبي ضابط عسكري يراقب جميع مكالماته بحرص شديد ويتعقّب المعلومات من خلال المكالمة.
المنشأة أُغلقت في عام 2004، وبيع المبنى لمحامٍ إسرائيلي لا يعرف لأيّ غرض كان قد استُغلّ. غير أنّ القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّة، كشفت أخيرا أنَّ الرقابة العسكرية لم تكتف بالنشاطات المعلومة، ولم يكن الصحافيّون الأجانب وحدهم المستهدفين، بل إنّ التنصّت كان يحصل أيضاً، «خلال العمل»، على «مكالمات شخصيّة» أجراها إسرائيليّون مع أقرباء وأصدقاء لهم في دولٍ أجنبية. وكانت بينها مكالمات لرؤساء حكومات إسرائيلية مع نظرائهم في دول أخرى.
وكشف أحد العاملين السابقين في المنشأة عن التفاصيل بالقول: «لم نتنصّت فقط على الصحافيّين، سمعنا الكثير من التاريخ».
وتقع المنشأة، التي تحوي غرفاً صغيرة ومكاتب وباحات، في شارع «كارليباخ 7» في وسط تل أبيب، على بعد أمتار من «بيت معاريف» (صحيفة «معاريف»)، وليس لمن يرتادون الشارع أيّ فكرة عنها. حتى إنَّ المصعد الكهربائي في المبنى حيث توجد لم يتوقّف عندها.
كانت المنشأة «أحد الأسرار الغامضة» في شعبة الاستخبارات العسكرية. حتى أنّ أصحاب المكاتب في الطوابق العليا الواقعة فوقها لم يعرفوا شيئاً يذكر عن وجودها. وهي واحدة من «الطرق الإسرائيلية لمراقبة الإعلام والتنصّت عليه»، حسبما تشير الرقيب العسكريّة الرئيسيّة في حينه، راحيل دوليف، التي تقول إنّ هدف المقرّ كان إقامة مقرّ للتنصّت من أجل «منع تسريبات لمعلومات أمنيّة» إلى خارج إسرائيل.
وحول إذا ما كانت عمليات التنصت هذه «شرعية وقانونية»، تقول دوليف إنها كذلك، إذا كانت للمصلحة الأمنية ولم تُستغلّ لأغراض سيئة، علماً بأنَّ مصطلح «المصلحة الأمنية» في إسرائيل فضفاض للغاية، ولا يُحصر بتعريف.
يُذكر أنّ قانون التنصّت السريّ في الدولة العبرية يسمح فقط بـ«التنصت على المكالمات الدولية، بغرض الرقابة وبموافقة الرقيب العسكري الرئيسي»، إلّا أنّ هذا التعديل دخل إلى القانون عام 1995، أي بعد 22 عاماً من إقامة المنشأة المذكورة.
وكانت وزارة الدفاع الإسرائيليية قد أنفقت، قبل 7 سنوات، عشرات ملايين الشواكل لطوير المنشأة. لكن بعد دخول دوليف إلى وظيفتها، أمرَت بإغلاق المقرّ، وقد وافق بعض الضباط على اقتراحها معتقدين بأنّ المقرّ «يتنافى مع الديموقراطية». وتمّ إغلاقه نهائياً عام 2004.
وتلفت الرقابة العسكريّة إلى أنّ المنشأة، خلال فترة وجودها، «تنصّتت على الكثير من المكالمات التي تعلّقت بأمن الدولة. وكان هناك تذكير داخلي بقطع كل مكالمة يتبيّن أنّها شخصية»، غير أنّ القيّمين على المنشأة لم يسهبوا في ردّهم، ولم يذكروا كم من الوقت على المراقب الانتظار ليكتشف أنّ «المكالمة شخصيّة».