في ظل تنامي الأهمية الاستراتيجية للقارة الأفريقية، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها في القارة السمراء مع إعلانها الشهر الماضي إنشاء قاعدة أميركية لأفريقيا تحت مسمّى «أفريكوم»، وسط اعتراض القادة العسكريين لغربي أفريقيا، على اعتبار أن واشنطن «لم تشاور الدول المعنية».وفي ختام اجتماع استمر يومين في العاصمة الليبيرية مونروفيا، قال القادة العسكريون لدول غربي أفريقيا، في بيان أول من أمس، إن «الخطة الأميركية الخاصة بأفريكوم لم يتم فهمها بشكل كامل من الدول الأفريقية». وطالبوا الولايات المتحدة «بمزيد من التوضيحات».
وقال المتحدث باسم «أفريكوم»، فينس كراولي، أمس إن مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية التقوا دبلوماسيين أفارقة منذ أشهر لمناقشة مخاوفهم من تشكيل القوة الأميركية. وتابع «نحن نعتزم أن نستمع، وأن نستثمر الوقت والجهد لتفهم مصالحنا وحاجاتنا المتبادلة».
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أعلنت الشهر الماضي إنشاء قيادة عسكرية للقارة الأفريقية لـ«حماية مصالحها الاستراتيجية ومساعدة الدول الأفريقية في مجال التدريب العسكري ومنع النزاعات».
وبالنسبة لواشنطن، تعني «أفريكوم» توطيد الحكم في قارة تم تقاسم ثرواتها بين ثلاث قوى إقليمية في السابق. في حين يخشى الأفارقة من أن تكون القيادة الجديدة محاولة أميركية لجلب قوات عسكرية إلى فناء القارة في سياق حرب الإدارة الأميركية على الإرهاب، أو مجرد حيلة لحماية حصة أميركا من موارد النفط، وسط احتدام المنافسة مع القوى الناشئة كالصين والهند.
ورأى المحلل في معهد جنوب أفريقيا للدراسات الأمنية، وافولا أوكومو، أن «الأفارقة يخشون من أن تتخطى أفريكوم ما يتم تسويقه لها». وتساءل «لماذا عليهم (الأميركيون) اللجوء إلى القوة العسكرية لتعزيز التنمية، في حين أنهم يملكون بالفعل مؤسسات داخل الحكومة الأميركية قادرة على أن تكون أفضل وأكثر قبولاً؟».
بدوره، برّر نائب قائد العمليات العسكرية في «أفريكوم»، الأميرال روبرت مولر، عمل القيادة بالقول إنها ستزيد «التعاون مع شركائنا الأفارقة». وأضاف «إن هناك سوء فهم بأن واشنطن تسعى لعسكرة القارة الأفريقية، فالمسألة ليست كذلك». ونفى أن تقود «أفريكوم» إلى وجود أية قواعد عسكرية أميركية جديدة في القارة وإلى أي تغييرات جوهريه في الدور العسكري لأميركا بالنسبة للمستقبل المنظور».
وقال مولر إن القوة الأفريقية «لن تقود العمليات الإنسانية أو السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بل ستوفر لهم بنية تحتية عسكرية لمؤازرتهم»، معتبراًَ «أن الوجود في القارة هو بالتأكيد الهدف»، ولكن «في نهاية المطاف يجب موافقة الأفارقة».
وأقرّ مولر بأن زيادة الأمن في خليج غينيا يتعلق جزئياً بمسألة فتح الأسواق أمام الولايات المتحدة. وقال إن «واشنطن ستعمل مع الشركاء الأفارقة للتأكد من إن الموارد التي تنبع من القارة متوفرة للمجتمع الدولي». وترك مسألة مقر إنشاء القوة إلى شركائه الأفارقة.
إلى ذلك، أشار مراقبون إلى أن تحفّظ ليبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا مرده إلى توسع النفوذ الأميركي في القارة لحماية مصالحه في مجال النفط وخوفاً من تراجع نفوذها الإقليمي. ولغاية الآن، تنفرد ليبيريا بالإعلان عن استعدادها لاستضافة «أفريكوم».
بدوره، قال الباحث في معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية، كرت شيلينغر، إن «البنتاغون فشل في تبديد قلق الأفارقة الذين يرون أن هذه القوة بمثابة حصان طروادة الذي ستعمل من خلاله الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحها الرئيسية في أفريقيا».
ويشير شنغللر إلى أن بعض مسؤولي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قلقون على تداخل البرامج الإنسانية مع العمليات العسكرية كما حصل في العراق وأفغانستان، والصدى السيئ لهذه الحروب في القارة الأفريقية.
وتزوّد أفريقيا، بما فيها الجزائر وليبيا، الولايات المتحدة بأكثر من 24 في المئة من نفطها، متجاوزة الخليج العربي بـ4 نقاط، وفق إحصاءات إدارة الطاقة الأميركية. وتبلغ ميزانية «أفريكوم» 50 مليون دولار للسنة المالية 2007 ــ 2008. على أن تشمل 53 بلداً في أفريقيا، باستثناء مصر، التي ستبقى تحت القيادة الوسطى للجيش الأميركي بحكم موقعها في الشرق الأوسط. وسيتولى قيادة القوة، التي يرجح أن تكون جاهزة في غضون سنة، الجنرال وليام وارد.
وتتمركز «أفريكوم» حالياً في شتوتغارت ألمانيا، ولا يزال الاتفاق على مقرها مثار جدل.
(أ ب)