strong>مي الصايغ
زين العابدين انتزع السلطة بـ«انقلاب طبّي»... ويخطّط للبقاء فيها «مدى الحياة»

أحيت تونس أول من أمس الذكرى العشرين لانطلاق «مسيرة التغيير» في السابع من تشرين الثاني عام 1987 على وقع إشادة أنصار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بإنجازاته، فيما رأى منتقدوه أن بقاءه يمثّل «استمراراً لحكم سلطوي فرض فيه حصاراً حديدياً على الإعلام وقمعاً للحريات».
وتولّى بن علي الرئاسة بعد 6 أسابيع على تعيينه رئيساً للوزراء، إثر ما سمي «الانقلاب الطبّي»، الذي تمثّل بإعلان عجز الرئيس الحبيب بورقيبة، مؤسس تونس الحديثة، عن أداء مقاليد السلطة.
وبعد مرور عشرين عاماً على وجوده في السلطة، يرجّح مراقبون سعي زين العابدين إلى ولاية جديدة بعد انتهاء ولايته الحالية عام 2009، ولا سيما أن استفتاءً شعبياً منحه عام 2002 «حق البقاء في الحكم مدى الحياة إذا شاء». وهو ما يدفع المعارضة إلى تذكيره بالإعلان الذي أصدره بداية تولّيه الحكم، حين قال «إن تونس لن يكون فيها رئيس مدى الحياة».
وتصرّ الحكومة التونسية على أنها «ملتزمة بنشر مزيد من الديموقراطية والحرية وتتهم المعارضين بمحاولة تشويه سجلّ حقوق الإنسان في البلاد»، في تأكيدات تكذّبها غالبية المحللين السياسيين. ويقول المحلل صلاح الجورشي، «لا تشكو تونس من فقر وفقاً للمقاييس الدولية، لكنها تشكو من الجوع على المستوى الفكري بغياب المبادرة وضعف حرية التعبير والصحافة».
ويرى الاقتصادي في جامعة تونس عزام محجوب، أن البلاد حالياً «عند مفترق طرق، حققت نسَب نموّ معقولة وحافظت على مردودية اقتصادية جيدة، لكن لا يمكننا الحصول على نمو مستديم إذا أوصدت المجالات السياسية».
الحال السياسية هذه، دفعت الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان إلى تحذير تونس من «السقوط في براثن العنف، ما لم تسمح بحرية أكبر للتعبير وتعزيز حقوق المعارضين»، ولا سيما أن حزب «التجمع الدستوري الديموقراطي» الحاكم يهيمن على المجلس التشريعي بموجب القانون، الذي ينص على تخصيصه بـ80 في المئة من المقاعد في البرلمان، المؤلف من 189 مقعداً. وتتنافس الأحزاب الستة الباقية، وبينها 4 مقرّبة من الحكومة، على نسبة 20 في المئة.
ويبدو أن «إرهاب القاعدة» في المغرب العربي بات «شمّاعة» يبرّر النظام عبرها الكثير من قراراته. وترى رئيسة جمعية مناهضة التعذيب في تونس، راضية نصراوي، أن بن علي «يشدّد الإجراءات التعسفية باسم محاربة الإرهاب»، فيما يقول الناشط السياسي منصف المرزوقي، «ربما كان نضالنا ضد التعذيب في بداية التسعينيات عاملاً في الحد من عدد الذين ماتوا في أقبية المتوحشين»، مشيراً إلى أن النظام «لا يصلح، ولا تغيير إلا باقتلاعه من جذوره عن طريق المقاومة السلمية».
وعطّلت أوضاع حقوق الإنسان اتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي. إلا أن دول الاتحاد اكتفت بممارسة ضغوط سقيمة حتى لا تثير حفيظة النظام التونسي. ورغم الإجماع على ديكتاتورية النظام، فإنه يعدّ من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. فقد قام بدور خاص في المبادرات والسياسات الأميركية، ليس في المغرب العربي فحسب، بل على المستوى العربي. وأفادت صحيفة «التايمز» عام 2004 إلى أن الطرف التونسي انتقل عملياً إلى المساهمة في محاربة المقاومة العراقية تحت غطاء محاربة «الإرهاب».
وتونس كانت الدولة العربية السبّاقة إلى الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي، مع إجراء بورقيبة اتصالات مع تل أبيب من خلال سفرائها لدعم استقلال تونس.‏
وبحكم الخلاف المستحكم بينه وبين الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، أعلن بورقيبة في خطاب في أريحا عام 1965 اعترافه بقرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة، وطالب الفلسطينيين بالاعتراف بالأمر الواقع والقبول بـ«دولة فلسطينية» في الضفة الغربية وقطاع غزة.‏
وجاءت سنة 1994 لتكون سنة إقرار مبدأ تبادل التمثيل الدبلوماسي بين تل أبيب وتونس، التي رآها شمعون بيريز «موطئ قدم مهماً جداً للدبلوماسية الإسرائيلية في شمال أفريقيا». وأدّى سقوط بيريز وحزب «العمل» في أيار 1996 وصعود بنيامين نتنياهو، إلى قلب المعادلة السياسية التونسية، التي وجدت أنها تنفق كل يوم من رصيدها العربي والإسلامي، الأمر الذي دفع إلى عودة الضباب ليغطي سماء العلاقة.‏ إلا أن البعد الخفي في علاقاتهما أهم بكثير من العلني، فنظام زين العابدين، المتخوف من ردود فعل المعارضة ومن الرفض العربي للهرولة نحو اسرائيل، يحرص على أن يبقى أكبر قدر من علاقاته مع إسرائيل سرياً.‏