ربى أبو عمو
لم يعد منصب وزير العدل الأميركي شاغراً، وخصوصاً أن «الحرب على الإرهاب» تحتاج إلى صياغة سياسات جديدة تأتي في صلب عمل هذه الوزارة؛ فبعد «مدّ وجزر» في آراء الديموقراطيين، وافق مجلس الشيوخ الأميركي، ليل أوّل من أمس، على تولّي القاضي الاتحادي مايكل موكاسي وزارة العدل، بناءً على ترشيح الرئيس الأميركي جورج بوش.
وسيخضع موكاسي لمهمة شاقة، تتمثّل في إعادة الاعتبار لوزارة رئيسية في الإدارة الأميركية، اهتزت صورتها بسبب الفضائح والانتقادات التي رافقت سلفه ألبرتو غونزاليس، الذي استقال في أيلول الماضي على خلفية إقالته تسعة مدّعين عامين أميركيين على خلفيات سياسية، إضافة إلى علمه بسياسات التعذيب.
واختيار بوش لموكاسي يهدف أساساً إلى تجنّب الصدام مع مجلس الشيوخ على اعتبار أنه «رجل مستقل»، ولا سيما أن الديموقراطيين هدّدوا بعدم المصادقة على تعيين تيودور أولسون في هذا المنصب. إلّا أن الموقف الديموقراطي من موكاسي اختلف أيضاً بعد رفض الأخير اتخاذ موقف قانوني من أسلوب التعذيب المعروف باسم «محاكاة الغرق»، الذي يعتمد على تقييد من يجري استجوابهم وتغطية وجوههم بقطع من القماش، وسكب المياه على رؤوسهم.
وعند هذا المنعطف، تدخّل بوش لدعم موكاسي، إذ قال إنه «لسوء الحظ، يتصرّف البعض في الكونغرس كما لو لم تكن أميركا في حالة حرب»، مشيراً بذلك إلى دور وزير العدل في صياغة السياسات لمحاربة «الإرهابيين».
والنقطة الثانية التي تثير قلق الديموقراطيين، تكمن في خوفهم من تسييس بوش لموكاسي في وزارته الجديدة، على غرار أسلافه. إلا أن القاضي الاتحادي أكد أنه سيستقيل، إذا أجبره البيت الأبيض على اتخاذ قرار يعتبره غير قانوني.
ومستعيناً بسياسة «اللعب على الكلام»، تمكّن موكاسي لاحقاً من تغيير مزاج الديموقراطيين نحوه، إذ قال، خلال إحدى جلسات الاستماع لمجلس الشيوخ، إنه يعتبر «تعذيب المشتبه فيهم كإرهابيين أمراً يناقض القانون الأميركي، كما إن الرئيس بوش لا يملك صلاحيات إقرار ذلك». كما أشار إلى أنه قد يغير موقف الوزارة من غوانتانامو، عبر سعيه إلى إغلاق ذلك المعتقل الذي «أعطانا سمعة سيئة». ووعد موكاسي بفرض قوانين جديدة لحدّ الصلات بين الشخصيات أو الرموز السياسية، ومؤسسة العدل.
وسبق لموكاسي أن خدم الإدارة الجمهورية إبان عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن، الذي عيّنه قاضياً فدرالياً في نيويورك في عام 1987. وبقي في منصبه تسعة عشر عاماً، قبل أن يعود إلى العمل في القطاع الخاص. ورأس محاكمات عدد من كبرى قضايا الإرهاب مثل قضية عمر عبد الرحمن، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة لضلوعه في التخطيط لتفجير مبان ضخمة في نيويورك.
وبناءً على خلفيته السياسية والإيديولوجية، من الممكن أن يباغت موكاسي مجلس الشيوخ والديموقراطيين بمواقفه، ولا سيما كونه سياسياً محافظاً ذا أصول يهودية، وبالتالي سيكون في نهاية المطاف ميالاً لمواقف بوش.
الأيام قد تكون خير اختبار لموكاسي في منصبه الجديد، لتأكيد ما إذا كان سيفي بما وعد به، سواء بالنسبة إلى التعذيب أو معتقل غوانتانامو، لتكون وزارة العدل اسماً على مسمّى.