أرنست خوري
انقسام سياسي ـ قانوني ـ طائفي... ورغبة أميركية في ضمان «خطّ الرجعة»

للتطوّرات السياسيّة في العراق مواسم تتغيّر حسب الظروف الداخليّة والإقليميّة والدوليّة؛ فبعد طيّ صفحة الأزمة مع حزب العمّال الكردستاني نسبيّاً، والهدوء الميداني النسبي أيضاً وتحسّن العلاقات بين الأفرقاء الداخليّين ووضع مستقبل العمليّة السياسية بالثلاجة، في انتظار التطوّرات التي ستطرأ على العلاقات الأميركيّة ـــــ الإيرانيّة، صعد إلى صدارة الأحداث منذ أشهر، قضيّة إعدام المتّهمين بقضيّة الأنفال، التي تُعدّ الثانية بعد قضية الدجيل، التي يحاكَم فيها كبار المسؤولين في نظام صدام حسين.
وأعطى وجود شخص وزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم أحمد في مقدّمة المحكوم عليهم بالإعدام، أبعاداً لم تكتسبها «الدجيل»، وتنبع من معطيات أهمّها عراقي داخلي وأخرى تتعلّق بالحسابات الأميركيّة في إدارة الملفّ العراقي.
ولا بدّ، لتعداد الأسباب التي جعلت القضيّة محطّ اهتمام كبار رجال الدولة العراقيّين ومسؤولين أميركيّين، من تذكُّر دور سلطان هاشم في الفترة التي سبقت احتلال العراق عام 2003، وهو ما بات مكشوفاً أمام العموم من ناحية تنسيقه الوثيق مع المعارضة العراقيّة السابقة (الحاكمة اليوم) لإعداد انقلاب على صدّام، وحبكه الاتصالات مع مسؤولين استخباريّين أميركيّين منذ أن انتدبه الرئيس الراحل في المحادثات التي أفضت إلى وقف إطلاق النار في حرب الخليج الثانية في ما عُرف باتفاق خيمة سفوان عام 1991.
في الفترة الأخيرة، كان لافتاً استنفار كلّ من الرئيس جلال الطالباني ونائبه طارق الهاشمي ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، بالإضافة إلى الكتل السياسية السنيّة العربيّة المتمثّلة بـ«جبهة التوافق العراقيّة»، للمطالبة بالعفو عن سلطان هاشم، في مقابل تفضيل نوري المالكي تنفيذ الحكم، رغم إشارة المرجع آية الله علي السيستاني، قبل نحو شهر، إلى «الرمزيّة» التي يملكها الرجل في طائفته وعشيرته.
يمكن في هذا السياق ملاحظة بُعدين للقضيّة، أحدهما عراقي داخلي طائفي، والثاني أميركي؛ فسلطان هاشم أحمد الطائي ينتسب إلى عشيرة طَي العربية، أكبر العشائر نفوذاً في الأوساط السنيّة العراقيّة. ومذ كان رئيساً لأركان الجيش، عُرِف بشعبيّته الكبيرة، التي تُرجمَت بعدم مشاركته في جرائم النظام السابق. بالتالي، إذا كان أحد الشعارات المصيريّة بالنسبة للحكم العراقي الجديد، هو إرضاء سنّة البلاد وإشراكهم في أوسع قدر من الصلاحيات في العمليّة السياسيّة، فقد يكون تنفيذ الإعدام بحقّه ضربة موجعة لهذه المساعي.
واتخذ الجدل حول الإعدام بعداً قانونياً مع تناقض القراءات لقانون أصول المحاكمات الجنائية. ويأتي كلام المالكي أوّل من أمس على «المخالفات الدستورية» التي يرتكبها مجلس الرئاسة من خلال عدم توقيعه على تنفيذ الحكم، واتهامه السفارة الأميركيّة برفض تسليم سلطان وعلي حسن المجيد وحسين التكريتي، ليرجّح استمرار الأزمة القانونيّة في الظاهر، والسياسيّة في الجوهر.
أمّا عن دور الوزير الأسبق بالتنسيق مع الفصائل العراقيّة التي كانت تعمل للانقضاض على حكم صدام، فبات أمراً في حكم المؤكّد. وجاءت الإثباتات على لسان الطالباني، الذي ذكّر مراراً بأنّ اتصالات عديدة كانت تجريها المعارضة مع سلطان هاشم «لتشجيعه على الانقلاب على النظام»، علماً بأنّ مسؤولين عراقيّين عديدين اعترفوا في وقت سابق بأنّ اتفاقاً عُقد برعاية أميركية، نصّ على أن يسلّم سلطان هاشم نفسه في مقابل عدم إعدامه، وهو ما تمّ عبر داوود باغستاني (رئيس منظّمة حقوق إنسان كردية مقرّب من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني).
أميركياً، يرى العديد من ضبّاط جيش الاحتلال، العارفين بتفاصيل الاتصالات التي جرت مع نظرائهم العراقيّين في عهد صدّام، أنّ من شأن التخلّي عن الحلفاء العراقيّين السابقين أن يحول مستقبلاً دون أي تعاون للضباط العراقيين، وذلك بعيداً عن الاعتبارات الأخلاقيّة؛ فالأوضاع العراقيّة لا تزال حسّاسة ولم تُعرَف وجهتها النهائيّة بعد.
بناءً على ذلك، فإنّ احتمالات التحوّلات الجذريّة في الطبقة السياسية في بلاد الرافدين لا تزال مفتوحة على مصراعيها، وهو ما يحتّم تنسيقاً جديداً ضروريّاً مع مسؤولين عسكريّين جدُد قد يَفون بالغرض في إعادة الأمور إلى مجراها المرغوب أميركيّاً. أمّا إذا أُعطي الضوء الأخضر الأميركي وتمّ إعدام أحد أهم رموز الجيش العراقي، أي سلطان، فسيكون من الصعب جدّاً إقناع أي مسؤول عسكري عراقي بشبك اتصالات مع الأميركيّين مستقبلاً، وهو ما سيكون عائقاً كبيراً أمام إبقاء سيطرتهم على مفاصل المؤسّسات العراقيّة الشابّة.
ونظراً للأموال الضخمة التي يتمّ إنفاقها على الجيش العراقي، الذي بات يضمّ أكثر من 300 ألف جندي، يرجّح أن يكون للجيش دور مصيري مقبل في الحياة السياسيّة، وخصوصاً في قلب منطقة تقول جميع المؤشّرات إنّ عنوانها سيحدّده ضجيج الرصاص ومشاهد الدمار.