strong>طوني صغبيني
واشنطـن تستعجـل تشكـيل «أفريكــوم» لحمايــة مــوارد القارّة السمــراء

غالباً ما كانت نيجيريا ضحية «لعنة الثروة»، التي لاحقتها على مدى العقود الماضية، وكانت آخر تعويذاتها حرب عصابات دموية في دلتا النيجر، انبثقت من مزيج قاتل بين الثروة الطبيعية والفقر المدقع، لتؤكّد مقولة إن «خلف كل نزاع عظيم منابع نفط».
وتحتلّ نيجيريا المرتبة الثامنة على لائحة أكبر مصدري النفط في العالم، والخامسة على لائحة الدول التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في هذا المجال، ما يجعلها ذات أهمية قصوى للدول المستهلكة للنفط في ظلّ الارتفاع المستمر للأسعار واحتمال تدهور الوضع في الشرق الأوسط. أهمية تضاعفت على خلفية التصعيد في دلتا النيجر، حيث تستخرج نيجيريا الجزء الأكبر من نفطها.
إلا أن الثروة النفطية لا تنعكس على الداخل النيجيري، الذي يعدّ أحد أفقر بلدان العالم، بسبب عمليات الفساد الخيالية والاعتبارات العرقية. وبحسب البنك الدولي، فإن دخل النفط يستفيد منه فقط 1 في المئة من المواطنين البالغ عددهم 140 مليون نسمة، يعيش أكثر من نصفهم بأقل من دولار واحد يومياً.
ومنذ الاستقلال عام 1960، اختلس موظفو الدولة في نيجيريا أكثر من 350 مليار دولار، أي ما يعادل مجموع المساعدات الأميركية إلى القارة السمراء، ولا سيما أن الفساد متغلغل في دوائر الدولة، مدعوماً من شركات النفط العالمية، التي تسعى إلى الحفاظ على عقود تدرّ عليها مليارات الدولارات، إضافة إلى دعمها مساعي الحكومة المركزية لقمع أي احتجاج في مناطق استخراج النفط. وقد اعترفت شركة «هاليبرتون» بتورطها في دفع 180 مليون دولار رشى إلى الحكومة النيجيرية. وفي ظلّ فشل المشاريع التنموية، انفجر التفاوت الاقتصادي عصياناً مسلحاً في دلتا النيجر، بعدما ضاق السكان المحرومون من المستشفيات والمدارس والعمل، ذرعاً من الأنابيب والمنشآت النفطية على أراضيهم، التي تدمّر ملايين الهكتارات من بيئتهم من دون أن تفيدهم في شيء.
وبعد سلسلة تحركات ثورية، توّجت بنهاية دموية، برز عام 2004 مجاهد دوكوبو أساري في منطقة المستنقعات وتعهّد بشنّ حرب شاملة على الحكومة وشركات النفط، ما أدّى إلى ارتفاع سعر برميل النفط للمرة الأولى إلى عتبة الـ50 دولاراً.
وفي عام 2005، نجحت الحكومة النيجيرية باعتقال أساري، لكن ذلك حفّز تشكيل «الحركة من أجل تحرير دلتا النيجر» (ميند) كمظلة لعدد من الجماعات المسلحة بهدف طرد الشركات والحكومة المركزية من الإقليم، وشنّت هجمات على منصات نفطية تبعد 60 كيلومتراً عن الشاطئ ومنشآت داخل المدن وأنابيب النفط التي تمرّ في الإقليم، مسببة انخفاض إنتاج نيجيريا من النفط بنسبة 20 في المئة.
على الجهة الأخرى من المحيط، كان البيت الأبيض ينظر بقلق إلى التطورات في دلتا النيجر، ولا سيما أن الرئيس الأميركي جورج بوش أعلن عام 2002 أن منابع النفط الأفريقي «مصلحة قومية استراتيجية»، وهو ما ترجم بعد عامين بتدريبات ومناورات مشتركة بين الجيشين الأميركي والنيجيري ركّزت على القتال المائي.
وفي عام 2005، خلصت دراسة، شارك فيها كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع تحت عنوان «صدمة النفط»، إلى أن نيجيريا قد تكون فتيل الأزمة النفطية الثالثة التي تضرب أميركا. وحذر المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي أي» وزير الدفاع الأميركي الحالي روبرت غيتس من أن «المخاطر الاقتصادية والأمنية لاعتمادنا على النفط من الخارج بلغت مستويات غير مسبوقة». ودعا إلى استراتيجية أميركية عالمية «للدفاع عن أنفسنا».
ورغم ذلك، أحجمت واشنطن عن التدخّل المباشر. لكن التطورات الأخيرة دفعت بالولايات المتحدة الشهر الماضي إلى الإسراع في إنشاء قيادة عسكرية للقارة الأفريقية تحت اسم «أفريكوم» لـ«حماية مصالحها الاستراتيجية ومساعدة الدول الأفريقية في مجال التدريب العسكري ومنع النزاعات». ورغم نفي واشنطن بأن هدف «أفريكوم» هو زيادة نفوذها في القارة السمراء، إلا أن نائب قائد العمليات العسكرية فيها الأميرال روبرت مولر، اعترف بأن بلاده ستعمل «مع الشركاء الأفارقة للتأكد من أن الموارد التي تنبع من القارة متوفرة للمجتمع الدولي».
ورغم تصعيد «ميند» من وتيرة عملياتها، يبقى التدخل الأميركي العسكري المباشر مستبعداً، في ظلّ وجود سيناريوهات بديلة، كدعم الجيش النيجيري، وإيكال مهمة الدفاع عن المنشآت النفطية إلى الشركات الأمنية الخاصة على غرار العراق.