شهيرة سلّوم
يتراءى إليك للوهلة الأولى من مراقبة الوضع الباكستاني الداخلي، وما يحدث من «انتفاضات شعبية» وتظاهرات ومعارضة سياسية وقمع وقوانين عسكرية، أنك داخل إلى بلاد تقاوم الديكتاتورية، بقيادة معارضة خارجة من رحم الشعب الباكستاني الفقير، تناضل لأجل لقمة عيشه وحقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية. أو كما يحلو للبعض أن يقول إن مثل هذه الفوضى هي «مخاض الديموقراطية»، على غرار الفوضى التي عصفت بالدول الأوروبية قبل انتقالها إلى مرحلة المدنية.
لكن الواقع مغاير كلياً، وما يحصل حقيقة هو قتال بين «طفلي الوالدة الحنونة» على السلطة. فالجنرال برويز مشرّف، أو كما تسميه غريمته رئيسة الحكومة السابقة بنازير بوتو، «الديكتاتور»، لم يمارس ديكتاتوريته على بوتو أو أمثالها، بل على العكس؛ فقد أسقط عنها تهم الفساد التي وُجّهت إليها عندما كانت في السلطة، بعدما مرّرت عقوداً اقتصادية مع زوجها وحصلت على عمولات سمحت لها بتكوين ثروات طائلة وُجدت في حساباتها داخل مصارف سويسرا، أو على الأقل، هذا ما تقوله السلطات الباكستانية والسويسرية.
كما أن «الديكتاتور» لا يفرض القانون العسكري لأنه في بلاد تخوض حرباً ضد أصوليين، وستسمح الحرية لهذه الجماعات بتعزيز موقعها الهجومي. ورغم أن هناك واقعاً باكستانياً يسمح له بهذا «الحق»، إلا أنه لم يستخدمه عندما كان الوضع يحتاج إلى «طوارئ»، ولا سيما خلال أحداث «المسجد الأحمر».
فحال الطوارئ اليوم ومصادرة الحريات فرضتا لأن الرئيس أوشك على خسارة سلطته، عندما هدّدته المحكمة الدستورية العليا بسحب الغطاء الشرعي عنه، لذا فهو لن يسمح لأحد بأن يسلبه الرئاسة. وعندما عَلِم أنه لا يكفي إتمام صفقة تقاسم سلطة مع بوتو كي يضمن بقاءه بل عليه أيضاً أن يتخطى عقبة القضاة والمحامين، الذين يمثلون الشرعية القانونية في أي دولة ديموقراطية، أعلن الأحكام العُرفية.
وعزّزت هذه الأحكام موقع بوتو في الساحة السياسية كزعيمة للمعارضة، حيث التفّت حولها معظم القوى التي تريد التخلّص من «الديكتاتور». وإن كانت بين هذه القوى حركات تسعى إلى الديموقراطية وتريد أي مركب إنقاذ تدفع به الرياح، إلا أن هذه المرأة لم تعرف غير السلطة ولا تُجيد العيش من دونها، ولا يخفى على أحد اشتياقها للعودة إليها؛ فحين فاوضت مشرّف لم تكن الديموقراطية في مقدمة أولوياتها، بل ركزت على التعديلات الدستورية التي تخوّلها ترؤس الحكومة للمرّة الثالثة.
حتى إنها ذهبت في علاقتها مع واشنطن إلى أبعد مما ذهب مشرّف. قالت إنها مستعدة للسماح للجيش الأميركي باختراق السيادة الباكستانية وملاحقة «القاعدة» فور وصولها إلى السلطة، وناشدت واشنطن، بحق ديموقراطيتها، أن تساعدها على التخلص من «الديكتاتور» لأنه لم يتمّم واجباته، على عكسها؛ فهي تروّج لنفسها على أنها أولى بتسلّم هذه المهمات لأنّها أقدر منه، باعتبار أن مشرف حصل على فرصته وفشل.
وعندما طُلب إلى الجنرال، في مقابلة مع صحيفة «نيوريورك تايمز» أمس، أن يردّ على قول بوتو إنّه يخشى الخسارة في الانتخابات المقبلة، قال «دستورياً، كانت رئيسة للحكومة لفترتين، ماذا عن الفترة الثالثة؟ دستورياً لا يحق لها». وكأنه أراد أن يقول لها «هدفك لن تبلغيه من دوني» فيما هو يستطيع أن يبلغ هدفه من دونها.