strong> مي صايغ
توالت حلقات مسلسل العنف في الصومال منذ سقوط نظام محمد سياد بري عام 1991، وسط غموض مستقبل العملية السياسية بعد 16 عاماً من الحرب الأهلية، وكانت آخرها المعارك مع «المحاكم الإسلامية»، التي أدت إلى التدخل الإثيوبي المباشر في الصراع الصومالي.
وعلى رغم تأثير المتغيرات الداخلية، من سيطرة العقلية القبلية إلى صراع أمراء الحرب على الوضع الصومالي، فإن أخطر ما يتعرّض له هذا البلد اليوم هو وجوده بين مجموعة من الدول المتناحرة التي جعلت منه مسرحاً لمعاركها وأطماعها.
وتمثّل الأزمة الصومالية محور الصراع في القرن الإفريقي في سياق ازدياد أهميته جغرافياً واستراتيجياً، إضافة إلى طبيعة الثروة الصومالية البكر، سواء من النفط أو الغاز الطبيعي.
والتدخل الإثيوبي في الصومال حمل أكثر من بعد، فأديس أبابا رغبت في إقصاء تنظيم المحاكم الإسلامية المتعاطف مع المسلحين في إقليم أوغادين، ورغب رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي في الحصول على منفذ بحري، إضافة إلى خدمة الحليف الأميركي الذي رأى في الصومال مرشحاً قوياً لاحتضان أنشطة «الإرهاب».
وفي السياق، طالب زيناوي «بتغيير مناهج التعليم في الصومال، وإلا فستكون هناك يوماً ما طالبان جديدة في القرن الإفريقي». ويشير تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تحت عنوان «إثيوبيا 2005، بداية التحول»، إلى أنه بعد أحداث 11 أيلول ظهرت آفاق جديدة للتعاون بين واشنطن وأديس أبابا متمثلة في الحرب على الإرهاب، فبعدما كانت تريد لإريتريا أن تكون اليد العليا في المنطقة، باتت إثيوبيا الوكيل المعتمد لها في القرن الإفريقي.
هذا التحوّل أحيا الصراع القديم بين إثيوبيا وإريتريا، ليكون هذه المرة على الأراضي الصومالية، حيث تحولت بيداوة إلى مسرح للحرب بالوكالة بين الطرفين. وعبرت القوات الإثيوبية بداية الحدود إلى الصومال لضرب معاقل أحد قادة الحرب الصوماليين وزير الداخلية الحالي حسين عيديد، بحجة وجود مقاتلين تابعين للجبهات الإثيوبية المعارضة، التي كانت قوات عيديد، بالتحالف مع إريتريا، تسهّل دخولهم إلى إثيوبيا.
ومع صعود نجم المحاكم الإسلامية بصفتها قوةً عسكريةً في مقديشو نهاية العام الماضي، عاد الحديث عن دعم إريتري لها، رداً على الدعم الذي تقدمه إثيوبيا للحكومة الانتقالية في بيداوة.
وبدأت المحاكم الإسلامية تحقّق انتصارات عسكرية على تحالف أمراء الحرب، «التحالف من أجل إعادة السلم ومكافحة الإرهاب»، فشعرت إثيوبيا بأن جبهتها الشرقية مع الصومال (نحو 2800 كيلومتر) مهدّدة، ولا سيما بعد حلول «المحاكم» مكان أمراء الحرب في جنوب الصومال.
وفي إطار التنافس على النفوذ في منطقة القرن الإفريقي، تعارض إريتريا الوجود الإثيوبي في الصومال، خوفاً من استغلال أديس أبابا للأراضي الصومالية والضغط عليها في نزاعهما الحدودي.
في المقابل، تعدّ كينيا من أكبر المستفيدين من الأزمة الصومالية، إذ تحوّلت إلى مقرّ للمنظمات الدولية والدبلوماسية وبات ميناء مومباسا مكاناً لتصدير الثروة الحيوانية الصومالية. وأصبحت نيروبي مركزاً لرأس المال الصومالي، وبالتالي تنتهج سياسة تبغي من خلالها الحفاظ على الوضع المتردّي في الصومال من دون تفكّكه تداركاً للفوضى التي ستسببها أي موجات نزوح للصوماليين. ويأتي اهتمام الرئيس الأوغندي «يوري موسيفيني» بالشأن الصومالي، لكونه من قبيلة «ميوكي» ذات الأصول الصومالية. أما الخرطوم، التي استضافت أول لقاء بين المجلس الأعلى للمحاكم الإسلامية والحكومة الانتقالية عام 2006، فقد تنازلت لإثيوبيا عن دورها في الصومال، نتيجة التوتر بين السودان وإريتريا.
وعلى وقع هذه التدخلات الدولية والإقليمية المتشعبة، ستشهد الساحة الصومالية تقلبات دراماتيكية. ويرجح المحللون عودة المحاكم الإسلامية إلى السلطة حيث بات الشعب الصومالي يشعر بأنه أمام غزو خارجي لا مجرد صراع داخلي.