بغداد ـ زيد الزبيدي
إغلاق مقرّها أخرج إلى العلن صراعها مع «الحزب الإسلامي»

مع قيام قوّة من حرس رئيس الوقف السنّي أحمد عبد الغفور السامرائي بإغلاق مقرّ هيئة علماء المسلمين السنّة في جامع أمّ القرى ومبنى الإذاعة التابعة لها صباح أوّل من أمس، يكون الصراع «السنّي ـــــ السنّي» في بلاد الرافدين قد دخل مرحلة الصدام المباشر بعدما بقي طويلاً موجوداً، لكن موضوعاً في ما يشبه الثلّاجة.
ويمكن توصيف هذا الانقسام بأنه بين ممثّلي الطائفة المشاركين في العملية السياسية، وفي مقدّمتهم الحزب الإسلامي العراقي، وبين أطراف أخرى رئيسيّة بقيت خارجها، متمثِّلة بـ«هيئة العلماء».
وكان الحزب الإسلامي قد حاول السيطرة على هذه الهيئة منذ الأيّام الأولى لتأسيسها بعد غزو العراق، في إطار صراع القوى المختلفة على لقب «ممثّل العرب السنّة» في البلاد، الذين فقدوا المرجعية السياسية ـــــ الدينية بعد سقوط النظام السابق الذي كانوا محسوبين عليه.
وبحسب المتابعين لتفاصيل الوضع المعقّد في العراق، فإنّ حكومة بغداد بدأت حملتها الفعلية لشقّ الصف السنّي مذ اتخذ رئيس الوزراء السابق، ابراهيم الجعفري، قراراً بعزل رئيس مؤتمر أهل العراق، عدنان الدليمي، المقرَّب من «هيئة العلماء»، من منصبه كرئيس للوقف السنّي، وتعيين عبد الغفور السامرّائي، المقرَّب من الحزب الإسلامي، مكانه. خطوة استهدفت التمكّن تدريجيّاً من السيطرة على المساجد السنية، وإبعاد العناصر المؤازرة للمقاومة وللهيئة عن إدارتها، رغم أنّ الحزب الإسلامي ممثَّل في الهيئة، كما كان ممثَّلاً في إحدى المجموعات السنية المسلّحة، «كتائب ثورة العشرين»، قبل الانشقاق عنها وإنشاء تنظيم «حماس ـــــ العراق».
ورأى بيان لـ«هيئة العلماء»، بعد اقتحام مقرّها، أنّ «الهجوم» كان متوقَّعاً، بسبب موقفها الرافض للاحتلال. وسبق للمتحدّث باسمها، بشّار الفيضي، أن قال قبيل مداهمة المقرّ «عُرِض علينا الدعم المالي والتسليح للمساعدة في ضرب الميليشيات (والمقصود هنا التيار الصدري) وكذلك تنظيم القاعدة، وقد تمّ رفض العرض، لأنّ الهيئة لن تتعاون مع المحتلّ أو من يمثّله».
ويبدو أنّ حكومة نوري المالكي لم تكن تريد الدخول كطرف مباشر في إغلاق مقرّ الهيئة، فلجأت إلى مدخل آخر، من خلال تكوين ميليشيات تابعة للوقف السنّي، لتقوم بهذه المهمّة، فيظهر الأمر كخلاف اعتيادي بين طرفين من السنّة، سببه «عدم دفع إيجار المقرّ».
وقد ردّ المسؤول الإعلامي للهيئة، مثنّى حارث الضاري، على ذلك المبرّر بأنّ «بيوت الله ليست للإيجار، وأنّ الهيئة سبق أن أعطت الوقف السني مقرّها السابق في حيّ الأعظمية في بغداد، في مقابل جامع أمّ القرى».
ويرى أحد المقرَّبين من كل من الهيئة والحزب الإسلامي، أنّ «نشوة النصر» التي حقّقتها «مجالس الصحوات» العشائرية التي تقاتل «القاعدة»، والتي أدى الحزب الإسلامي دوراً أساسياً في تكوينها، دفعت الحكومة لاتّخاذ هذا الإجراء ضدّ الهيئة التي فُسِّرت آخر تصريحات رئيسها حارث الضاري بأنها داعمة لتنظيم «القاعدة».
وحارث الضاري، هو أيضاً رئيس «كتائب ثورة العشرين»، لكنّ صفته هذه غير معلَنة رسميّاً لأنّه يحاول تبنّي عموم الجماعات المسلّحة، لذا كان موقفه مرناً جدّاً من «القاعدة» رغم أنّ هذا التنظيم قتل ابن أخيه ضامر قبل أشهر.
ورغم موقف الحزب الإسلامي المناهض للهيئة، فإنّه اضطرّ إلى إعلان عدم موافقته على مداهمة مقرّها العام، إلّا أنّه طلب «معالجة الخلافات بالحوار والطرق السلمية»، معترفاً بأنّ «الخلاف سياسي»، وهو ما يدحض مبرّر السامرائي بأنّ «ملكية الأرض تعود إلى الوقف».
ورأت الأطراف السنيّة المشاركة في العملية السياسية أنّ احتلال مقرّ «هيئة العلماء»، بهذه الصورة، أمر مستهجَن وغير مبرَّر، ويزيد الأمور المعقَّدة في البلاد تعقيداًَ، بينما طلبت الهيئة أن يقدّم السامرائي اعتذاراً رسمياً.
ولم يخالف الحزب الإسلامي كثيراً آراء بقية أطراف «جبهة التوافق»، لشعوره بأنه لا بدّ أن يُبقي الصلات مع الهيئة، رغم الخلافات الكثيرة التي كان آخرها انشقاق مسلّحي الحزب عن كتائب ثورة العشرين، والانغماس في ترتيب مجالس الصحوة في المدن والمحافظات السنيّة.
وجاءت ردود أفعال الكتل السنية متوافقة مع ما أعلنه الدليمي، الذي طالب ديوان الوقف بالتراجع عن قرار إغلاق مقرّ الهيئة ومبنى الإذاعة. وقال الدليمي، في بيان له أمس، «علينا أن نوصل الليل بالنهار من أجل رصّ الصف ورأب الصدع والتخندق في خندق واحد لمواجهة الذين يسعون إلى إبادتنا وهدم ديواننا وهيئتنا وجبهتنا، وكلّ صرح من صروحنا».