strong>شهيرة سلّوم
• طهران تبرّر مطالبها بامتداد امبراطورية فارس والمنامة تصرّ على انتمائها العربي

تمثل زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد اليوم إلى البحرين مناسبة لإزالة التوتر الذي ظهر بين البلدين، في الأشهر الماضية، على خلفية تصاعد أصوات من طهران تطالب بـ«استعادة» جزر البحرين، باعتبارها جزءاً من «إيران التاريخية»

في تموز الماضي، طفت على سطح العلاقات الإيرانية ـــ البحرينية أزمة قديمة جديدة تمثلت في مقال نشرته صحيفة «كيهان» المحافظة، لمستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية حسين شريعتي مداري، رأى فيه أن «البحرين محافظة إيرانية، ويجب أن تعود إلى الدولة الأم».
والمطالبة الإيرانية بضم مملكة اللؤلؤ والنفط ليست جديدة، ولطالما تردّدت في طهران، على الرغم من حسم المسألة عام 1970 مع استطلاع رأي الشعب البحريني، والذي أشرفت عليه الأمم المتحدة، وصدور قرار مجلس الأمن الدولي بحق البحرين بالانتماء لدولة مستقلة.
وتعود المطالبة الإيرانية إلى جذور تاريخية مرتبطة بأرخبيل الجزر البحرينية المكوّن من 33 جزيرة أكبرها البحرين، التي كانت محط أنظار الإمبراطوريات الكبرى في المنطقة، لغناها بثروة اللؤلؤ، قبل اكتشاف الثروة النفطية في عام 1932.
وتعاقبت على البحرين إمبراطوريات كثيرة، بدءاً بالبريطانيين مروراً بالفرس والبرتغاليين، قبل أن يعود البريطانيون لوضع اليد على الجزيرة، إلى حين اعترافهم باستقلالها عام 1880.

مطالبات إيران

ترى إيران أن البحرين هي المقاطعة الـ14 لديها بذريعة أنها «كانت منذ أمد بعيد قطعة من فارس». والمطالبات الإيرانية بضم البحرين سابقة للحرب العالمية الأولى. فقد اعترضت طهران، في مناسبات عديدة، بعدما أصبحت الجزر العربية تحت سيطرة الإنكليز وتحت حمايتهم، وتبادلت مع لندن رسائل بين 1868 ـــــ 1896 طلبت فيها الاحتفاظ بحقوقها في البحرين.
واحتجت كذلك في عام 1870 على الحكومة التركية لتدخلها في مياه الخليج. وفي عهد الثورة الدستورية الإيرانية (1906 و1907) وكذلك في عهد الشاه رضا بهلوي، استنكرت الحكومة الإيرانية قيام الشركات الإنكليزية والأميركية باستثمار نفط البحرين. كما اعترضت على الاعتراف بالجنسية البحرينية عام 1938.
وأثيرت قضية مطالبة إيران بنفط البحرين للمرّة الأولى عام 1930، عندما مُنحت شركة بريطانية امتيازاً لاستخراج الزيت، فبعثت الحكومة الإيرانية مذكرة احتجاج إلى حكومة لندن تنكر فيها على شيخ البحرين أن يكون له الحق في منح أي امتيازات لاستثمار موارد النفط في تلك البلاد من دون موافقة طهران، على اعتبار أن «جزر البحرين تؤلف جزءاً لا يتجزأ من فارس»، وأتبعته باحتجاج آخر إلى الولايات المتحدة في عام 1934، حين منح امتياز الزيت لشركة «ستاندرد أويل كاليفورنياوفي أيلول 1953، قدّمت إيران احتجاجاً على وضع طابع بريد عليه صورة شيخ البحرين سلمان بن حمد. وفي العام التالي، اعترضت طهران على تصاريح الجامعة العربية عن عروبة البحرين. ووصلت الاعتراضات إلى حد تصريح وزير الخارجية الإيراني، علي قولي أردلان عام 1957، بأن «جميع الأرباح التي يجنيها شيخ البحرين أو أي دولة أخرى تتفق معه هي حق من حقوق إيران ستطالب بها».
وتصاعدت دعوات في الصحافة الإيرانية إلى احتلال المنامة في أعقاب توقيعها عام 1958 اتفاق تعاون اقتصادي مع الرياض، يقضي باستثمار الأراضي الواقعة تحت البحر والممتدة بين السعودية والبحرين.
وفي السياق، رأت إيران المشروع السعودي بإقامة جسر يربط بين السعودية والبحرين بمنزلة إجراء لإحباط أي محاولة تقوم بها طهران لضم المنامة.
وأخيراً كان مقال حسين شريعتي مداري، الذي دفع طهران إلى إيفاد وزير خارجيتها منوشهر متكي إلى المنامة، لنقل تطمينات بأن إيران «تؤكّد احترام سيادة البحرين وسلامة أراضيها».

... وحججها

ترى إيران أن البحرين تتمة جغرافية لها، وهو ما يفنّده المعارضون بأن خريطة البحرين تظهر قربها من الساحل العربي الشرقي، الذي لا يبعد عن شواطئها أكثر من 12 ميلاً، بينما تفصل البحرين عن أقرب ميناء إيراني (بوشهر) 180 ميلاً. كما أن الأبحاث الجيولوجية تشير إلى أن البحرين كانت جزءاً من الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية.
إلا أن طهران ترى أنّ علاقات البحرين بها منذ فجر التاريخ كانت أشدّ عمقاً من علاقتها بالأقطار العربية، إذ كانت علاقة شيخ البحرين وشاه إيران وثيقة جداً، وقائمة عن طريق حاكم ميناء بوشهر. وكانت البحرين تتمتع بإدارة مستقلة، ولكن ليس باستقلال تام إبان السيطرة الفارسية عليها.
ويعتقد المؤرخون أن النزاع بين السنّة والشيعة في البحرين هو الذي دعا إلى تدخل حكومة فارس في شؤون البحرين، إذ إن شيوخ السنّة اتجهوا إلى الإمبراطورية العثمانية باعتبارها مركز القوة للسنّة، وأخذ الشيعة يتطلعون إلى فارس بوصفها حامية الشيعة في خلال حكم الشاه عباس (1587 ـــــ 1629). وجهّز الشاه حملة على البحرين طرد على أثرها شيخها السنّي والبرتغاليين بصورة نهائية من مياه الخليج في عام 1622، وذلك بمساعدة القوات البريطانية. وبقيت جزر البحرين عموماً تحت الحكم الفارسي حتى عام 1783.
في المقابل، يرى بعض المؤرخين أنّ البحرين لم تُحكم من فارس إلا لمدة لم تتجاوز 100عام، وذلك في عهد الأسرة الساسانية قبل الإسلام. ومع ذلك، لم تحكم البحرين بصورة مباشرة، بل كان الحكام عرباً وكان الفرس يشرفون عليها فقطلكن شيخ البحرين كان يدفع ضريبة بالعملة الذهبية للشاه، ما مثّل اعترافاً بسلطته، وخصوصاً عندما تعرض شيخ البحرين في عام 1817 لهجمات أهالي الجزر الأخرى. وكذلك حين هاجمه الوهابيون عام 1859، ما دفعه للّجوء إلى الشاه من أجل حمايته عام 1843.
واستندت إيران في عرض حججها إلى اعتراف الحكومة البريطانية بسلطة الشاه على البحرين، وذلك في تصريح لحاكم بومباي عام 1819، توّج باتفاق عُقد عام 1822 بين المقيم البريطاني في بوشهر وليم بروس وحاكم فارس حسين كولي ميرزا. والتصريح كان حينها طلباً بريطانياً لاستئجار البحرين في أوائل القرن التاسع عشر، إلا أن الحكومة البريطانية عادت ورفضت ما قام به بروس، «إذ لم يكن مخوّلاً الدخول في مفاوضات مع إيران لعقد مثل هذه الاتفاقية».

استقلال البحرين

كان عام 1969 محطّة مفصلية في العلاقات الإيرانية ـــــ البحرينية، بعد انسحاب بريطانيا من المنطقة، حيث أعلن شاه إيران محمد رضا بهلوي، ونتيجة العلاقات الهادئة التي جمعت إيران بدول الخليج العربي في تلك الفترة، أنّه يقبل حقّ تقرير المصير في البحرين، الأمر الذي مهّد لاستفتاء شعبي برعاية الأمم المتحدة، اختار فيه البحرينيون إعلان بلادهم دولة مستقلة ذات سيادة، ما دفع بطهران إلى الموافقة على هذه النتيجة، التي توجّت بإعلان استقلال البحرين في 14 آب 1971.

تصدير الثورة

بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حاولت طهران تصدير الثورة إلى دول الجوار، وخصوصاً في البلاد ذات الغالبية السكانية الشيعية، ما أثار مخاوف دول الخليج العربي. وما زاد من تلك المخاوف، إعلان قائد الثورة آية الله الخميني أن «الإسلام لا يتفق مع النظام الملكي»، وانتقاد بعض المسؤولين الإيرانيين الأنظمة السياسية الخليجية.
في المقابل، اتهمت البحرين إيران بمحاولة قلب نظام الحكم فيها. ففي بداية الثمانينيات، أعلنت المنامة اعتقال مجموعة من «المخرّبين» تلقوا تدريباتهم في إيران «لزعزعة نظام الحكم». وأعلن رئيس الوزراء آنذاك، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، أنّه «لا يوجد في البحرين خطر داخلي، فالخطر خارجي ويتمثل بإيران».
وشهدت البحرين في بداية التسعينيات حالاً من الفوضى والاضطرابات التي بلغت ذروتها عام 1994، واستمرت حتى أوائل عام 1996. وحمّلت الحكومة البحرينية إيران مسؤولية حركات الاحتجاج الشيعية. واتهمت المنامة رسمياً طهران بالتورّط في تمويل تنظيمات سرية تهدف إلى قلب نظام الحكم وإقامة الجمهورية الإسلامية على النمط الإيراني. وأقدمت البحرين في مطلع شهر شباط 1996 على اعتبار السكرتير الثالث في السفارة الإيرانية شخصاً غير مرغوب فيه و«يقوم بأعمال تتنافى ومهمته الدبلوماسية». فردت إيران بطرد دبلوماسي بحريني.
وما لبثت المنامة في العام نفسه أن أعلنت الكشف عن حزب الله البحريني، فقررت سحب سفيرها في طهران وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية معها إلى درجة قائم بالأعمال.
وعلى الرغم من أجواء التوتر هذه، إلا أن الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني قام، بعد زيارته إلى السعودية، بعبور الجسر إلى البحرين، حيث التقى بأميرها آنذاك الشيخ عيسى بن سلمان، وتمّ الاتفاق على تطوير علاقات البلدين وبدء مرحلة جديدة فيها، وصلت إلى ذروتها في فترتي حكم الرئيس محمد خاتمي



شيعة البحرين

يمثل أبناء الطائفة الشيعية غالبية في مملكة البحرين، وهو ما يميّزها عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ويقدّر تقرير «الحرية الدينية في العالم»، الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية عام 2006، نسبة الشيعة بنحو 70 في المئة من عدد السكان.
وأثّرت الثورة الإسلامية عام 1979 في شيعة البحرين، إذ برز من بينهم تيار ثوري، «الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين»، أخذ يطالب بإطاحة النظام السنّي فيها واستبداله بنظام كالنظام الجمهوري الإيراني.
وشهدت العلاقة بين القوى الشيعية والنظام الحاكم في البحرين أسوأ مراحلها خلال التسعينيات، التي تخللتها مواجهات مع الحكومة، التي احتجزت آلاف المتظاهرين واعتقلت قيادات المعارضة.
ولكن ما لبثت أن تحوّلت هذه العلاقة جذرياً مع تولّي الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الحكم في عام 1999، وإطلاق مشروعه الإصلاحي، الذي أفرج بموجبه عن جميع الموقوفين، وسمح للمعارضين في الخارج بالعودة إلى البلاد. وجرى تضمين مبادئ التغيير السياسي في ميثاق العمل الوطني، الذي صوّت عليه البحرينيون في استفتاء عام 2000 بنسبة 98 في المئة.