strong>شدّدت منظّمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)،في البيان الختامي لقمّتها في الرياض أمس، على «أهميّة السلام العالمي» من أجل استقرار الأسواق النفطية، وأكّدت التزامها بإمداد السوق بالكميّات اللازمة من النفط وتشجيعها للتقنيات الجديدة التي من شأنها مواجهة ظاهرة التغيّر المناخي. غير أنّها، على خلاف رغبة إيران، لم تشر إلى المستوى الضعيف للدولار الذي يقضم عائداتها الماليّة من الذهب الأسود
اختتم زعماء «أوبك» قمّتهم الثالثة أمس، بالإعلان عن ضرورة الاستقرار الجيو ـــــ سياسي من أجل استقرار موازٍ في الأسواق، بعدما كان مسؤولون من المنظّمة قد عزوا الارتفاع القياسي في أسعار النفط الخام، التي كادت تصل إلى مئة دولار للبرميل الواحد في الأسبوعين الماضيين، إلى توتّرات سياسيّة ومضاربات لا إلى عدم كفاية الإمدادات.
وجاء في نص البيان الختامي أنّ المنظّمة تتعهّد «الاستمرار في إمداد الأسواق العالمية بكميّات كافية واقتصادية وموثوق بها من البترول وبصورة فاعلة وفي الأوقات المطلوبة».
وقال وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، علي النعيمي، في مؤتمر صحافي، إنّ تقلّبات أسعار النفط ليست مرتبطة بـ«أوبك»، مشيراً إلى أنّ بإمكان بلاده مضاعفة طاقة التكرير إلى 6 ملايين برميل يومياً في 5 سنوات، من 3.3 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي.
وشدد البيان الختامي، الذي قرأه الأمين العام لـ«أوبك»، عبد الله البدري، على «تعزيز التعاون المالي» بين الدول الأعضاء «بما يشمل الاقتراح الذي تقدّم به عدد من قادة الدول»، في ما يمكن أن يكون إشارة إلى مطالبة ايران بتسعير النفط بعملات أخرى غير الدولار كاليورو مثلاً.
كما كان وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، قد اقترح على الأعضاء خلال جلسة تحضيرية للقمة، أن يعرب البيان الختامي عن القلق إزاء المستوى الضعيف للدولار، وهو ما عارضته السعودية خوفاً من نتائج عكسية. وأسهم انخفاض سعر صرف الدولار بنسبة 15 في المئة خلال 12 شهراً، في خفض قيمة مردود مبيعات النفط لأنّ معظم تلك المبيعات تسعّر حسب العملة الخضراء.
من جهة أخرى، أكّد البيان التزام «أوبك»، التي تنتج 40 في المئة من النفط العالمي وغالباً ما تتعرّض لانتقادات من جانب الناشطين البيئيين، تشجيع التقنيات الجديدة التي من شأنها مواجهة ظاهرة التغيّر المناخي، ولا سيّما تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه. وقال إنّ المنظّمة تؤكّد «أهميّة تقنيّة النفط النظيفة، لأجل حماية البيئة العالمية وكذلك أهميّة تطوير تقنية تواجه التغير المناخي مثل التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه»، وهو إعلان يأتي فيما تبدو المنظمة عازمة على اعتماد أجندة بيئيّة، وغداة إعلان السعودية إنشاء صندوق ميزانيّته 300 مليون دولار من أجل الأبحاث المتعلّقة بالتغيّر المناخي.
وجاء بيان المنظّمة، التي تأسّست عام 1960، في ختام يومين من المحادثات التي تميزت بانقسام بين الأعضاء حول مسألة استخدام النفط كأداة سياسية، ولا سيّما بين السعودية وفنزويلا.
وقد افتتح الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز القمّة مساء أوّل من أمس، بخطاب ناري أمام قادة الدول الأعضاء التي بات عددها 13 عضواً مع انضمام الإكوادور مجدّداً بعد 15 عاماً، طالب فيه المجموعة بتكريس نفسها «لاعباً جيوسياسياً مهمّاً».
وردّ عليه الملك السعودي عبد الله بدعابة أثناء الخطاب قائلاً له إنّه «أطال الكلام». غير أنّ الزعيمين ظهرا متحدين على جبهة أخرى هي «الدفاع عن الأسعار المرتفعة للنفط»، معتبرين أنّ الأسعار الحالية أدنى من مستواها في الثمانينات إذا ما أُخذ التضخم بالاعتبار.
كما وجّه تشافيز تحذيراً عنيفاً من إمكان وصول أسعار النفط إلى 200 دولار للبرميل الواحد إذا هوجمت إيران، ثالث أكبر مصدّر للنفط في العالم، عسكرياً، أو اتّخذت خطوات ضدّ فنزويلا. وقال «إذا كانت الولايات المتحدة مجنونة بما يكفي لتهاجم إيران أو تعتدي على فنزويلا مجدداً (في إشارة إلى محاولة الانقلاب التي تمّت عام 2002) فإن أسعار النفط قد لا تصل فقط إلى مئة دولار بل ربما إلى 200 دولار» للبرميل.
أمّا الملك عبدالله، الذي تعدّ بلاده المصدّر الأوّل للنفط في العالم مع احتياطي يوازي ربع الاحتياطي النفطي المثبّت، فشدّد على أنّه يجب عدم تحويل البترول الى «وسيلة للنزاع». ودافع عن مصالح «أوبك». وقال إنّ «البترول طاقة للبناء والعمران ويجب ألّا يتحوّل إلى وسيلة للنزاع»، في إشارة إلى الصراع العالمي على منابع الذهب الأسود، أهم مصدر طاقة متوافر حالياً في العالم.
وأضاف الملك إنّ «الذين يرون أوبك منظمة استغلالية يتجاهلون حقيقة أّنها كانت تتصرّف دوماً من منطلق الاعتدال والحكمة، ولعلّ خير دليل على ذلك هو أنّ السعر الحقيقي الحالي للبترول، إذا أخذنا بالاعتبار مستوى التضخّم، لم يصل إلى سعره في مطلع الثمانينات من القرن الماضي»، عندما قارب الـ101 دولار للبرميل حينها.
أمّا تشافيز، فرأى أنّ الأسعار الحقيقية للنفط مع احتساب التضخّم، توازي 33 دولاراً في السبعينات. ولفت إلى أنّ «أوبك تقف قويّة اليوم. تقف أقوى من أي وقت مضى»، وطالبها بأن «تكرّس نفسها لاعباً جيوسياسياً مهمّاً»، داعياً الدول الأعضاء إلى «الطلب من أقوى أمّة في العالم أن تتوقّف عن تهديد أوبك»، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
وكان خلاف بين وزراء الخارجية والنفط، في المنظمة خلال اجتماع عُقد الجمعة لتحضير القمة والاتفاق على بيانها الختامي، قد خرج إلى العلن وأظهر انقساماً حول قضيّة اتخاذ موقف من مسألة الدولار الضعيف. وتمكّن الصحافيّون من الاطّلاع على هذا الخلاف في الاجتماع السرّي بفضل خطأ تقني، إذ تمّ بثّ الاجتماع على شاشة في قاعة الإعلام، ولا سيما الجدل بين متّكي ونظيره السعودي الأمير سعود الفيصل.
(أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)