strong> ربى أبو عمو
يبدو جليّاً التغيّر في اتجاه الحكومة الفيليبينية من خلال سعيها، وبجدية هذه المرة، إلى إحياء اتفاق السلام الموقّع بينها وبين جبهة مورو الوطنية في عام 1996 في طرابلس؛ فبعد المباحثات التي خاضتها الحكومة مع هذه الجبهة، المنشقة عن الجبهة الوطنية، في السعودية السبت قبل الماضي، والتي لم تسفر عن نتائج واضحة، خاض الجانبان اجتماعات جديدة في العاصمة الماليزية كوالالمبور الأربعاء الماضي.
محادثات اختتمت أول من أمس، تمكّن خلالها الطرفان من التغلّب على أكبر عقبة تتعلّق بـ«وطن الأجداد» المقترح للمسلمين في جنوب الفيليبين، والذي تطالب به الحركات الإسلامية، فاتفقا على ترسيم حدود المنطقة على أن يتابعا مباحثاتهما لتحديد نوع الحكم فيها.
وبالطبع، لن تنتهي المفاوضات عند هذا الحد. إذ ينتظر الجانبان جولة أخرى لصوغ اتفاق نهائي في شأن جزر جنوب الفيليبين، قبل توقيعه رسمياً في شهر كانون الثاني. إلّا أن بعض المشاركين في مفاوضات السلام هذه يرون أن صوغ المعاهدة النهائية لإنهاء الصراع قد يتم في شهر آب عام 2008.
هذه الأزمة، التي بلغت عمراً يناهز الـ40 عاماً تقريباً، تعود إلى مطالبة مسلمي الجنوب، بعد استقلال الفيليبين عن الولايات المتحدة عام 1946، بالاستقال التام والحكم الذاتي، باعتبار أن هذه الجزر أسّسها المسلمون في القرن الخامس عشر. وكان رفض الحكومة لهذه المطالب سبباً لمواجهات دامية مع نشوء حركات إسلامية مقاومة، بلغت ذروتها في عهد الرئيس فرديناند ماركوس.
وتأسّست جبهة تحرير مورو الوطنية عام 1972 لتخوض الكفاح المسلّح ضد قمع المسلمين في الجنوب، بعدما عمدت مانيلا إلى إرسال مواطنين مسيحيين إلى هذه المنطقة، التي تحولت إلى غالبية مسيحية.
وانشقت جبهة مورو الإسلامية عام 1977 عن «الجبهة الوطنية» نتيجة اقتراب الأخيرة من حكومة مانيلا. تلا ذلك أيضاً انشقاق جماعة «أبو سياف»، ذات التوجّه الجهادي عام 1991، التي اعتمدت على ارتكاب الجرائم، وعرفت بصلاتها مع تنظيم «القاعدة»، ما دفع بحكومة مانيلا وواشنطن إلى تصنيفها ضمن الحركات الإرهابية.
أما مسلسل المفاوضات، فقد استهل في مدينة جدّة السعودية عام 1975، إلا أنها فشلت لتستأنف جولتها الثانية في كانون الأول من العام نفسه في ليبيا، وتم توقيع اتفاق طرابلس بداية عام 1976. ونصّ الاتفاق على منح المسلمين حكماً ذاتياً في 13 منطقة في الجنوب، إلا أنه ظلّ حبراً على ورق طيلة عشرين سنة.
وفي عام 1996، وقعت جبهة مورو الوطنية في طرابلس أيضاً اتفاق «طرابلس الثاني»، الذي أعطى حكماً ذاتياً لأربع مناطق فقط بدلاً من 13، إضافة إلى تحديد مرحلة انتقالية مدتها ثلاثة أعوام، تشهد خلالها مناطق الجنوب تنمية مكثفة على أن يلي ذلك استفتاء عام لتحديد مناطق الحكم الذاتي.
وفي عهد الرئيسة الفيليبينية الحالية غلوريا أرويو، تجدّدت محادثات السلام عام 2001، وتم التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار في شهر آب 2001، ليجتمع الفريقان مجدداً عام 2005 من دون التوقيع على اتفاق محدّد.
وفي الغالب، كان فشل اتفاقات السلام يعود إلى الاختلاف في شأن حجم الأرض وتقاسم ثرواتها. فجنوب الفيليبين، الذي يضم جزر ميندناو وباسيلان وسولو وبلاوان، يشكّل نحو 45 في المئة من الفيليبين، وهي منطقة غنية بالثروات الطبيعية والزراعية والمائية والبترول، وتدرّ على البلاد عائدات مالية كبيرة.
ومماطلة الحكومة الفيليبينية في المسار التفاوضي مع الجنوب، كان مدعوماً من الولايات المتحدة، التي ترفض قيام كيان إسلامي في شرق آسيا. إلا أن التغيير في تعاطي مانيلا مع القضية مردّه إلى رغبتها في تحسين صورتها أمام الدول الإسلامية والعربية، عبر منح المسلمين في الجنوب حكماً ذاتياً، مع عدم التنازل الكلّي.
إذ إن الحكومة الفيليبينية تعتمد بصورة أساسية على نفط السعودية، وخصوصاً أن شركة «أرامكو» السعودية تمتلك 40 في المئة من رأس مال أكبر شركة نفط فيليبينية، وهي الدولة الوحيدة التي تستطيع إنقاذ الفيليبين من أزمة ارتفاع النفط العالمية.
لذا، يبدو أن التوصّل إلى اتفاق فعلي للسلام بات وشيكاً، وخصوصاً أن مانيلا أدركت أنها لن تتمكن من قمع حركات «التمرّد»، وهو الأمر الذي فشلت في تحقيقه مدة 40 عاماً، إذ إن الجماعات الإسلامية ترفض التنازل «حتى لا يسقط كيانها الإسلامي كما سقطت الأندلس».